كتاب ومترجمان

TT

«رب صدفة خير من ألف كتاب مغشوش»، فالصدفة وحدها قادتني الى اكتشاف مترجم عجيب لو بذل نصف الجهد الذي صرفه في تحوير جهود الآخرين على تحسين عمله لكانت عنده ترجمة نظيفة لكتاب هام.

والكتاب الملطوش أو المحور أو المشكوك في أصالته، اسمه «ملف اسرائيل.. دراسة للصهيونية السياسية»، لمؤلفه ـ روجيه غارودي، وقد ترجمه جيدا مصطفى كامل وكتب له مقدمة وافية واصدره عن دار الشروق عام 1983، فجاء مترجم كسول وحور كما نعتقد ونظن، الترجمة كاملة مع المقدمة واقنع احدى دور النشر باعادة طباعة الكتاب تحت اسم جديد! ولا اعرف ان كانت الدار، وهي دار التضامن للطباعة والنشر والتوزيع، قد شربت المقلب كاملا او انها تواطأت مع المترجم ووافقت على ما قام به، فالأمر يحتاج الآن الى توضيح من الدار التي نشرت كتابها بعد 17 عاما من نشر الترجمة الاولى.

لقد قام حسين حيدر باصدار كتاب غارودي المترجم تحت عنوان «اسرائيل بين اليهودية والصهيونية» وصدرت طبعته الاولى التي جعلتها موضع مقارنة مع ترجمة مصطفى كامل، عام 1990.

وقد نصت الدار كالعادة على ان حقوق الطبع محفوظة، ولا ندري لمن، للمترجم الاول ام للمعدل الثاني، ام للكامخ بينهما، وهو في هذه الحالة روجيه غارودي الذي نرجح انه عرف بالطبعة المضروبة، لقرب علاقاته العائلية مع العالم العربي، لكننا لا نعرف ان كان قد قام بجهد ما لمنعها والاشارة إليها، او على الاقل لإشعار ناشره الاول السيد المعلم بوجودها.

والمثير في الموضوع كله هو اسلوب التعديل والتبديل الذي قام به المترجم الثاني ليدعي الترجمة لنفسه، فقد اطلق على المقدمة اسم «مدخل»، وصار يحور العبارات والجمل الاصلية لتؤدي ذات المعنى بحيث يصعب عليك لشدة التشابه ان تفترض حسن النية وتحترم جهده الذاتي، فهو في الصفحة التاسعة مثلا يقول في «المدخل»: «نتعرض هنا بالبحث لموضوع محرم هو الصهيونية». ولو عدت الى المقدمة الاصلية لوجدت مترجم طبعة الشروق يقول: «نواجه هنا موضوعا يعد من المحرمات». وفي الصفحة ذاتها يقول مصطفى مراد: «اما اذا تناول المرء الصهيونية بالدراسة والتحليل». فيأتي حسين حيدر في طبعة دار التضامن ليقول: «لكننا حين نتعرض لتحليل الصهيونية».. والامثلة على هذا التشابه المريب بالمئات وليس بالعشرات. وكان بامكاننا ان نفترض ان النص العربي لا بد ان يختلف قليلا لاختلاف المعجم العربي لكل مترجم لكن المقارنة الدقيقة لطبعة الشروق وهي الاولى، وطبعة التضامن وهي المتأخرة، لا تترك اي مجال للشك باتكاء المترجم الثاني بالكامل على المترجم الاول الى درجة ضاعت معها شخصيته.

ان الامر يحتاج الى توضيح عاجل من قبل المترجم الثاني ومن قبل الدار التي نشرت كتابه، فماذا حصل بالضبط يا استاذ حسين حيدر؟ هل هو وقع الحافر على الحافر.. ام غنيمة جاهزة ساقها الله اليك..؟ وماذا حصل يا دار التضامن، هل عرفتم بالترجمة الاولى، ام اشتريتم سمكا بالبحر ولم تتصلوا بالمؤلف للحصول على موافقته..؟ ولو فعلتم لأرشدكم ربما الى وجود ترجمة اخرى جيدة، ولم يضطركم لاعادة اختراع البارود.