العرب الأميركيون.. الرقم المهمل؟

TT

مع كل انتخابات رئاسية اميركية، ومن ضمنها التي ستجري غدا، تكثر التساؤلات في وسائل الاعلام العربي عن دور العرب الاميركيين ومدى تأثيرهم في توجيه دفة نتائج الانتخابات. وذهب المتفائلون من الكتاب والمعلقين الى القول ان المرشحين للانتخابات الرئاسية اصبحوا في حملاتهم الانتخابية يخطبون ود العربي والمسلم الاميركيين، وان هذه الشريحة من المجتمع الاميركي اصبحت لا تقل اهمية عن الأقليات الأخرى مثل السود والهسبانيين وقد تم الاعتراف بهم أخيرا كمجموعة انتخابية يؤبه لها.

وذهب الحالمون من مسؤولي الجمعيات العربية الى اكثر من ذلك عندما وضعوا اهمية الجالية العربية في مستوى اهمية الجالية اليهودية في المسرح السياسي الاميركي. وقد ينجحون في القريب العاجل في الوصول الى مراكز تساعدهم في التأثير على السياسة العامة الاميركية.

وبما اننا من الذين عايشوا المجتمعات الغربية (بريطانيا) لمدة ليست بالقصيرة فاننا نرى ان هذا النوع من الكلام فيه قدر كبير من المبالغة وبعيد عن الحقيقة التي تقول ان الجاليات العربية والاسلامية في الغرب، وخاصة في اميركا، ما زالت تنغص معيشتها تلك الصورة النمطية الراسخة في الذهنية الغربية حول العربي والمسلم والمختصرة في «الارهابي» و«الجائع» و«الثري»، حيث ما زال ابناء هذه الجالية يعانون من ملاحقة سلطات المطارات الأميركية في دخولهم وخروجهم. هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى فان العربي والمسلم الذي يعيش داخل هذه المجتمعات ما زال يمثل انعكاسا دقيقا للصورة او بالأحرى للواقع العربي والاسلامي الذي يغلب عليه طابع التشرذم والضياع وتنهش عقله العاطفة وتسيطر على تفكيره عدم الواقعية واللاعقلانية وما زال بسيطا يخلط بين مصالحه ومبادئه ومعتقداته.

والواقع ان الخطأ لا يكمن فقط في سلوكيات الفرد العربي الاميركي بل ايضا في تلك الجمعيات والمنظمات التي تدعى انها على طريق التأثير على الرأي العام الاميركي وجعله يتفهم هموم الجالية وقضاياها. والواضح ان الهدف من وراء تضخيم دور بعض هذه الجمعيات والمنظمات هو بكل بساطة تضليل الجهات العربية «السخية» وحثها على الاكثار من السخاء. ولفهم كلمة «السخية» لا بد من القول انه حتى كتابة هذه السطور فلم نقرأ في الجرائد ولم نشاهد في الفضائيات ولم نسمع في الاذاعات ان قائمين برعاية الجمعيات والمنظمات العربية الاميركية زاروا موريتانيا او الصومال او لبنان او اليمن او السودان لشرح مشاغل الجالية العربية في اميركا وطموحاتها، بينما نشاهد ونقرأ ونسمع من جهة عن «حج» الكثير من مسؤولي هذه الجمعيات والمنظمات والهيئات لدول الخليج العربي، ومن جهة اخرى عن الحفاوة البالغة التي يستقبل بها اي مسؤول خليجي يقوم بزيارة رسمية كانت او خاصة للولايات المتحدة. عموما، الأمر لا يحتاج الى شرح اكثر وفي نفس الوقت لا نريد ان نذهب الى وصف بعض هذه الجمعيات والمنظمات بـ«الدكاكين» هدفها الاكتساب والثراء بالتودد الى الخليجي وان آخر ما تفكر فيه هو توعية العربي الاميركي سياسيا وتوسيع مداركه لتمكينه من معرفة اين تكمن مصالحه حتى لا يبقى رقما مهملا في المعادلة السياسية والانتخابية الاميركية.

ورغم ان معظم المشرفين على المنظمات العربية والاسلامية يعزون بالدرجة الأولى عدم تأثير الجالية العربية على مفاصل السياسة الاميركية الى اللوبي اليهودي الذي يسعى دائما الى تهميشها، إلا ان العارفين بخبايا هذه الجالية يقولون ان هناك عوامل اخرى اساسية ساهمت في هذا التهميش اهمها عدم إلمام الجالية والمشرفين عليها بالآليات التي تسير الهيئات الرسمية وغير الرسمية الاميركية وعدم ادراك جوهر اللعبة السياسية وقواعدها التي تديرها القوى الفاعلة والرئيسية على غرار الأحزاب السياسية والجماعات الضاغطة. عامل آخر لا يقل اهمية هو جهل، حتى لا نقول تجاهل، الحكومات العربية لآليات «اللوبيينغ» ولجوؤها في معظم الحالات الى الأساليب التقليدية المحصورة في البروتوكولات.

باختصار وحتى لا نظلم الجالية العربية والاسلامية والقائمين على رعايتها فان تباين، حتى لا نقول تناقض، مواقف الأنظمة العربية وتضارب مصالحها انعكس سلبا على الجميع وساهم بقسط وفير في تهميش الجالية وتركها فريسة سهلة ينهشها كل من هب ودب ليس في الولايات المتحدة فحسب بل في معظم المجتمعات الغربية.