الحرب المنسية في الشيشان

TT

حادثة سقوط ـ والارجح إسقاط طائرة الهليكوبتر الروسية في جمهورية الشيشان، والاعلان عن مقتل ما لا يقل عن 114 ضابطاً وجندياً روسياً كانوا على متنها، اعادت الى واجهة الاحداث حربا كانت الى حد ما، منسية من العالم الخارجي، واعادت تذكير الشارع الروسي بان الحرب التي تصور انها تحولت الى معركة استنزاف بطيئة لا تزال حربا داخلية ساخنة.

حادثة الهليكوبتر هذه هي ثاني اسوأ كارثة عسكرية تتعرض لها القوات الروسية في جمهورية الشيشان منذ أكثر من سنتين، حين ادى كمين نصبه الثوار الشيشان في فبراير (شباط) 2000، الى مقتل 84 عنصرا من جنود المظلات.

وفيما اعتبرت «لجنة امهات الجنود» الروس ان تكرار تطمينات الحكومة الروسية المتكررة عن أن عملياتها العسكرية ضد «الارهاب» في جمهورية الشيشان «انتهت عمليا» يدحضه استبقاء القوات الروسية في المنطقة كـ«جيش احتلال»، اكتفى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بوصف الحادثة بـ«الكارثة» وايفاد وزير دفاعه الى موقعها لكي يشرف شخصيا على تحقيق عسكري في اسبابها، وبذلك ابقى ردة فعله على الحادث في اطار قضائي ـ عسكري، محبطا آمال منتقدي هذه الحرب، داخل روسيا وخارجها، في ان تدفع هذه «الكارثة» القيادة الروسية الى اعادة النظر في جدوى الاستمرار في حرب مكلفة لن تثني الاكثرية الشيشانية عن المطالبة بحقها في تقرير مصيرها ولن تساعد على تلميع صورة «الديمقراطية» الروسية في الغرب ـ وإن كانت مقتضيات ضمان سكوت موسكو عن احتمال استهداف العراق عسكريا تجعل واشنطن ملتزمة بسياسة الصمت حيالها، في الوقت الراهن.

قد تكون الظروف الدولية الراهنة مواتية لمواصلة الحكومة الروسية ما تصفه بعملياتها «ضد الارهاب» في جمهورية الشيشان، فالرأي العام العالمي منهمك بملاحقة تطورات التلويح الاميركي بضرب العراق ومشغول بمتابعة الاحداث الدامية على الساحة الفلسطينية.

الا ان القضية الشيشانية هي، قبل اي صفة أخرى، قضية روسية داخلية، وبالتالي محك لاختبار الديمقراطية الروسية في عهد الرئيس بوتين، واستطرادا سياسة حكومته حيال الاقليات العديدة في بلاده.

وإذا كان ثمة عبرة سياسية من الكشف عن حادثة اسقاط طائرة الهليكوبتر الروسية بصاروخ اطلقه الثوار الشيشان فقد تكون في اثبات استمرار المقاومة الشيشانية، بعد اكثر من سبع سنوات على انطلاقتها، الامر الذي يستوجب اعادة موسكو النظر في موقفها الرافض لاجراء مفاوضات مع قادة الشيشان حول تسوية سلمية للمشكلة، والعودة عن تمسكها باجراء انتخابات نيابية ووضع دستور جديد للبلاد في ظل الادارة المحلية الموالية لها التي لا تزال عاجزة عن بسط سيادتها على الاراضي الشيشانية رغم الوجود الكثيف للقوات الروسية فيها.