تهجير عنصري... باسم القانون

TT

كان بإمكان سلطات الاحتلال الاسرائيلي ممارسة سياسة التهجير والإبعاد من دون ان تتمسّح بالقانون، إمعاناً بالتمويه على أنها دولة مؤسسات تحترم حقوق الانسان وتتعامل حتى مع اعدائها تحت سيف العدالة.

ولكن تحت حكم قيادة ترفض الاعتراف بالقانون، ولها مع العدالة ثارات قديمة منذ تجريمها بالتورط في مجزرة صبرا وشاتيلا، بات من مصلحة هذا الإمعان حتى تجريد القضاء من معناه وفضحه على حقيقته.

لقد عانى المواطن الفلسطيني منذ عام 1948 من اتقان السلطة الاسرائيلية الألفاظ القانونية التحايلية الهادفة الى تسهيل عملية انتزاع الاراضي، واستغلالها من قبل مالكيها، ومنع البناء والترميم، والحرمان من الثروة المائية ومصادرة البساتين المغلّة، وما اليها من اصناف التعدي السافر المنسجم تماماً مع منطق التهجير الذي كان مرادفاً لوجود الدولة الإسرائيلية. وكان واضحاً للفلسطينيين ولكل من درس نشوء إسرائيل ان الارض محور أساسي لا تقوم الدولة من دونه ولا يتحقق التوسع الاستعماري الا عبر الاستفادة القصوى منه.

وايضاً يعرف من درس تاريخ إسرائيل كيف اردفت مؤسسة السلطة الاسرائيلية واجهزتها العسكرية النظامية وشبه النظامية سلب الاراضي بارتكاب مجازر الترويع والارهاب، كمجازر دير ياسين وقبية وكفر قاسم، بهدف دفع السكان الى الفرار ومن ثم اغتصاب ممتلكاتهم واعطائها لمهاجري الحلم الصهيوني.

ثم منذ عام 1967 مورست سياسة التضييق ومصادرة الاراضي لمختلف الاغراض وتحت شتى المزاعم والمسميات وسحب مياه الخزانات الجوفية الى المستعمرات المزروعة في اراضي الضفة الغربية وقطاع غزة ومناطق اخرى من فلسطين 1948، وبالتالي حرمان السواد الاعظم من سكان الضفة والقطاع منها.

اما الآن فثمة نقلة نوعية فريدة في العالم الموصوف بالمتحضر، ألا وهي العقاب الجماعي بصلة القربى، اي تهجير اقارب منفذي العمليات الفدائية، بعد اعتماد سياسة هدم بيوتهم وبيوت اهلهم. غير ان الخطوات الرسمية في تهجير الاقارب بوشر بها بعد العودة الى «نزاهة» القضاء الاسرائيلي، وفق مقتضيات «العلاقات العامة» التي تجيدها إسرائيل أيما إجادة. وهكذا تمارس احدث صيحات العنصرية التطبيقية الآن بمباركة القانون، امام اعتراضات جمعيات حقوق الانسان الدولية.

هل يتحرك العالم إزاء هذا الانتهاك الجديد الغريب لحقوق الانسان؟ وهل يتنبه الى التأثير النفسي لسياسة عدوانية من هذا النوع بينما تتعالى الدعوات لبناء مفاهيم جديدة اكثر ديمقراطية واحتراماً للإنسانية في منطقة الشرق الاوسط بالذات؟

ان الاستقرار، ليس في الشرق الاوسط فحسب، بل في اي بقعة من بقاع العالم، يحتاج الى الالتزام بالحد الادنى من الانصاف واحترام الحريات. والسكوت عن تجاوز بحجم ما ترتكبه آلة الحرب الاسرائيلية اليوم في الاراضي الفلسطينية من اغتيالات وتفجير ونسف وخطف وتدمير للبنى التحتية يبطل اي صدقية للشعارات الكبرى المروّج لها من فوق المنابر وقاعات المؤتمرات وعواصم الشرعية الدولية المغيبة.