إيران ومحاور الأزمة المقبلة

TT

ثمة من يتخوف في طهران من الاصلاحيين من احتمال ألا تحصل إيران على نتائج إيجابية ملموسة من وراء موقفها الراهن تجاه العراق، بسبب ازدواجية المعايير التي تتبعها بشأن التعامل مع امريكا. فهي اذ تعارض أي شكل من اشكال التفاوض او فتح قنوات حوار للايرانيين مع نظرائهم الامريكيين، نوابا كانوا أو ساسة حكوميين، او صناع قرار، نراها تقبل، دون حرج مشاركة اثنين من رجال الدين الشيعة العراقيين المرتبطين بطهران والمقيمين فيها في محادثات على مستوى تشوبه الكثير من شبهة التعاطي مع الاجنبي بما يعارض الامن القومي لبلادهم.

وكما يقول مصطفى تاج زاده أحد رموز الاصلاحيين المؤثرين في صنع قرار تكتل الاصلاح والتغيير، المقرب من الرئيس محمد خاتمي، فإن ايران بذلك قد تخسر الطرفين المتنازعين على السلطة في بغداد، وتفقد حتى نفوذها التقليدي المعروف في الساحة العراقية، اذا ما استمرت على هذه الطريقة في التعامل مع ملف العراق.

بالمقابل، فإن خبراء وثيقي الصلة بمطبخ صناعة القرار الايراني، من المحافظين، يرون ان طهران لا تملك إلا ان تكون متواجدة في كافة اروقة صنع مستقبل العراق السياسي، سواء بعد صدام حسين او مع استمرار نظامه الحالي، لا لأنها (اي طهران) لا تملك موقفا محددا ومبدئيا تجاه قضايا العراق، بل لأن الملف العراقي نفسه بات من التشابك والتعقيد والتداخل بمكان لا يمكن لأحد، من خارج اللعبة الداخلية العراقية، إلا ان يتعاطى مع هذا الملف بصورة سيَّالة ومتحركة و «زئبقية»، بحيث يكون قادرا على «التكويع» في اللحظة المناسبة وفي الاتجاه المناسب!

وحدهم العراقيون صانعو القرار الحاليون، في بغداد، او اطراف المعارضة المتعددة هم القادرون على «تسديد» مواقف الاطراف الخارجية لا سيما الاقليمية منها وايران بشكل خاص، اذا ما اخذوا مواقف حاسمة وجازمة بخصوص شكل تعاملهم مع الاجنبي القادم من وراء البحار سواء هدف الى احداث التغيير الذي يلائمه او غزو العراق من اجل السيطرة على مقدراته بشكل كامل.

وهنا ثمة من يقول من محللي السياسة الخارجية الايرانية، بأن نظام بغداد الحالي والمعارضات العراقية بأشكالها المختلفة التي ساهم ويساهم كل طرف منها في تدويل ملف بلاده، سواء لعجز منه، او لسياسة غير حكيمة، او سوء تقدير للموقف في المحطات الرئيسية، هي التي ساهمت جميعها في بلورة موقف ايراني «محتاط» يحسب الف حساب لأي خطوة يقوم بها الطرف الايراني لصالح العراق.

ويعتقد هذا البعض بأن لدى ايران تحفظات تحول دون اتخاذ موقف حازم وقاطع تجاه القضية. والتحفظات هي:

اولا: انه لا يمكن الوثوق بالنظام الحالي بشكل كامل بسبب تاريخ تقلباته من جهة، وكونه لا يطلع احدا على مخططاته او مواقفه النهائية في نفس الوقت الذي يريد ممن يطلبهم للنجدة والمساندة ان يضعوا كل «بيضاتهم» في سلته.

ثانيا: ان المعارضات العراقية ضعيفة ومشتتة وتائهة بين عواصم الدنيا تبحث عن اي حل، وعلى يد اي كان، لقضيتها او لقضاياها، دون ان تضع سقفا واضحا ونهائيا للتسويات او التنازلات او الائتلافات المطروحة، اللهم إلا سقف، او بالاحرى شرط اسقاط النظام الحالي، مما يجعل موقف الاطراف الخارجية الصديقة او الحليفة لها في «حرج» دائم يتعلق بالاعراف والتقاليد الدولية المعروفة في التعامل مع قضايا من هذا النوع.

ثالثا: لما كان العراق دولة عربية عضوا في جامعة الدول العربية، وصاحبة وزن وثقل خاصين في معادلة التوازن العربي ـ العربي، من جهة، ووزن وثقل خاصين ايضا في معادلة الصراع العربي ـ الاسرائيلي من جهة اخرى، فإنه لا يمكن تجاوز هذه الحقيقة بسهولة او ضربها عرض الحائط أيا كان الموقف من نظام بغداد الحالي.

ولما كانت السياسة لا تمارس في المختبرات، بل في اجواء وفضاءات متحركة ومتغيرة وسيالة واللاعبون فيها كثر، فإنه لا يمكن ولا يجوز التعاطي مع العراق دون الاخذ بعين الاعتبار الاهداف الصهيونية والاستعمارية الملحة والطويلة الامد في هذا القطر الحساس والبالغ الاهمية في معادلة الشرق الاوسط الحالية.

من هنا يعتقد هؤلاء المحللون بأن محصلة القرار تتجه نحو:

ـ العمل بجدية لمنع وقوع اي ضربة عسكرية للعراق من قبل الولايات المتحدة الامريكية.

ـ بذل كافة المساعي لمنع المخطط الامريكي من السيطرة على مقدرات العراق النفطية وغيرها، وكذلك منع تحول العراق الى قاعدة عسكرية امريكية، كما تسعى دوائر واشنطن الراديكالية.

ـ بذل كافة المساعي لدفع العراق الى الاقتراب من الحلول السياسية والديبلوماسية لأزمته العالمية والاتجاه بسرعة لحل مشاكله وملفاته العالقة مع دول الجوار عن طريق الحوار والمصارحة والمكاشفة والاقرار بأخطاء الماضي.

ـ اذا كان ولا بد وفشلت كل هذه المساعي، ووقعت الواقعة، فإن السعي يجب ان يتركز على جعل بوش وصدام حسين يدفعان وحدهما فاتورة الحرب وليس الشعب العراقي المظلوم وشعوب المنطقة، التي عانت الكثير من الويلات بسبب حماقات نظام الغلبة الدولي ونظام بغداد.

اخيرا، وليس آخرا، فإن ثمة من يتخوف في طهران من ان تخفي كل هذه التحركات والتصريحات والمعارك الاعلامية وراءها، ما هو اخطر مما نسمع ونرى، وبات على المنطقة ان تعد نفسها لمواجهة مخطط تغيير خرائط جدي قد يعني في ما يعني اختفاء دول حالية من خريطة المنطقة المستقبلية، واعادة صناعة حكومات «دمى» قد يكون اولها العراق بعد ان فقدت واشنطن ثقتها بحلفائها واصدقائها التقليديين من العرب والمسلمين، وصارت لا تثق او تتعامل إلا مع ربيبتها المدللة اسرائيل.

وهذا سيعني في ما يعني، بشكل خاص اعتماد سياسة احتواء مزدوج لكل من ايران والسعودية لمنع التنسيق المتزايد بينهما وتقاربهما المتواصل، والتخلص وتجفيف منابع «التحريض» الديني والسياسي والعسكري ضد اسرائيل بحجة تجفيف منابع الارهاب!