الواقعية السياسية

TT

خطابان من زعيمين عربيين صدما الجماهير بصراحتهما وواقعيتهما، رحيل عن لغة الخطب السياسية الشعبية التقليدية التي اعتادت عليها في الساحة العربية، الرئيس الليبي والرئيس اليمني، كلاهما تحدثا عن سبب تغيرهما. العقيد معمر القذافي قال: لو لم نتغير لداستنا الاقدام، ويعني بذلك القوة الاميركية، والرئيس علي عبد الله صالح كشف ان الولايات المتحدة هددته عسكريا اذا لم يتعاون مع حملتها على «القاعدة» واتباعها.

في المقابل فان الرئيس العراقي لم يفعل ما فعله الرئيسان الليبي واليمني، بل جلس على كرسيه رافضا وممليا شروطه. لهذا السبب يواجه اليوم محنة خطيرة وقراراً بازاحته وازاحة قيادته وابنائه وكل نظامه ونهاية تاريخه. فهو الآن في الزاوية وحيد لا معين له سوى تلك الخطب الانشائية التي لا تساوي ثمن الحبر الذي تطبع عليه في الجامعة العربية، وبضعة مقالات صحافية لا احد يدري بها وان درى بها فهي الاخرى لا تزيد في العمل السياسي خردلة.

احداث اليوم وتحدياته اعظم امتحان لكل دولة وواقعية منهجها في العمل السياسي. في ظروف غاية في الاضطراب والخطورة دخل القادة العرب امتحانا غريبا عليهم، استوجب معه ان يتراجعوا او يتقدموا بناء على ان السياسة فن الممكن في مواقف قابلة اساسا للتغيير. فاليمن هو الآخر وضع على الخارطة بسبب احداث الحادي عشر من سبتمبر وعقب توفر معلومات استخبارية حددت اسماء عدد من المطلوبين من «القاعدة» على ارضه واحتمال وجود معسكرات للمتطرفين. كان الموقف الاميركي حازما ومباشرا حيث طلب من الرئيس علي عبد الله صالح في زيارته الى واشنطن ان يسلم المطلوبين. قيل له بشكل واضح من قبل القيادة الاميركية: ان امام اليمن ثلاثة خيارات لا رابع لها، اما ان يقوم اليمن باعتقالهم وتسليمهم، او ان نقوم بمساعدته بفرق خاصة تشارك في اعتقال المطلوبين، او اننا سنقوم بانفسنا بارسال قوات اميركية وملاحقة المطلوبين دون الحاجة الى موافقة اليمن. ورغم الصدمة من لهجة التهديد الاميركية فان الرئيس اليمني في حينها تصرف كسياسي بواقعية، مدركا ان يتم التنفيذ بيده لا بيد عمرو، حماية لبلاده وحفاظا على هيبة السلطة، فاختار ان تقوم قواته بمطاردة المطلوبين واستعان بما قدمت له من مساعدات عسكرية واقتصادية. لو لم يفعل لصار مصير اليمن مصير العراق اليوم ولتعاظمت الأزمة وهي في نهاية الامر مسألة قابلة للحل دون مكابرة.

اما ليبيا فقد كانت توصف بانها سفينة غارقة ولن تدخل الالفية الثالثة وان الولايات المتحدة لن تسكت على ليبيا في مسائل عدة ابرزها كانت قضية لوكربي، وقد جهزت مشروعا يستهدفها بما هو اكثر من الحصار بعد جمع معارضين في اتلانتا وغيرها. الا ان السفينة الليبية فجأة غيرت خط سيرها فنجت وهكذا كان.

نحن نرى اليوم العراق مشغولا بترديد بيانات جمعيات الطباخين ونقابات المحامين واطباء الاسنان وحزبيين معارضين في بلدانهم، ولا يزال يحسب الامور بساعات البث الدعائية في وقت تمضي ساعات الاعداد للحرب سريعا، وها هي البوارج العسكرية من اوروبا والولايات المتحدة ابحرت هذا الاسبوع مجهزة للمعركة المقبلة. الا يوضح ذلك ان هناك سفنا لا بد ان تغرق لان قبطانها رافض ان يحرف سفينته عن مسار الصخور امامها؟ للاحاطة عاشت امارة طالبان الافغانية بين عامي 1994 و2002 فقط، دخل زعيمها الملا عمر العاصمة على دبابة وهرب منها على دراجة نارية، فقد كان حاكما بليدا في الشأن السياسي.