11 سبتمبر (1) قرن، لا عام

TT

أهم ما حدث في العام الممتد من 11 سبتمبر 2001 الى 11 سبتمبر 2002، ان الهوة بين صاحب الهجوم وصاحب الهدف، قد اتسعت مساحة قرن لا عام. فأسامة بن لادن لا يزال بالنسبة الى اميركا «الارهابي الأول في العالم» واول رجل يطلب «حيا او ميتا» في بلاغ رسمي صادر عن رئيس دولة ديموقراطية يحكمها الدستور. اما بالنسبة الى مؤيديه فهو لا يزال «الشيخ العالم العامل المجاهد الفاروق العصر البطل اي عبد الله اسامة بن محمد بن عوض بن لادن» واما ما حدث في نيويورك وواشنطن قبل عام فليس سوى «غزوتين مباركتين» ضد ما يسميه «الشيخ العالم المجاهد الفاروق» «هبل العصر».

تذرع اسامة بن لادن في البيان الذي اكد فيه «الغزوتين» بضرب العراق واحداث فلسطين. وبعد عام تستعد الولايات المتحدة لايقاع اكبر ضربة عسكرية بالعراق، يمهِّد لها في مؤتمر صحافي المستر طوني بلير، الذي مهَّد بالطريقة نفسها والأسلوب نفسه والكلمات نفسها، لضرب افغانستان واعدا بتقديم وثائق الادانة «خلال اسبوع او اسبوعين» تماما كما في عشية الحرب على كابول وقندهار وتورا بورا.

لكن مشكلة الولايات المتحدة، في الحربين، انها تطلب رجلا واحدا في مساحة بشرية هائلة. وكلاهما زئبقي. واحد متعدد الكهوف وواحد متعدد القصور. وما بين الاثنين، هناك الناس والمباني والمدنيون. والعراق ليس افغانستان. ولا الجيش العراقي «طالبان». ولا هناك تورا بورا او جبال صلدة صعبة الا عند الاكراد. والاكراد هذه المرة وسيلة لا هدف. وقوة ضاربة لا قوى مدافعة. والكثافة السكانية في العراق غيرها في افغانستان، التي كان لاجئوها اكبر من مواطنيها وكانت مخيماتها خلف الحدود اكبر من معسكراتها.

وبعد عام على 11 سبتمبر ازدادت الهوة في فلسطين وتعاظمت المأساة. فلا افادها الانتقام من البرج التجاري في نيويورك، ولا افادها وعد جورج بوش بالدولة في اعقاب ذلك النهار الطويل الطويل الذي تهاوى فيه البرجان في هدوء عاصف مريع، مبنى خلف مبنى، وطائرة خلف طائرة، وطابقا خلف طابق، وجحيما يتساقط فوق جحيم من النار والدخان والغبار، ورجالا يرمون بأنفسهم من الطابق الثمانين مفضلين الموت في الهواء على الموت في الشواء.

لم يفد ذلك فلسطين ولا افاد العراق. ولا افاد العرب. ولا افاد المسلمين. فقد تحول كل مهاجر الى مشبوه حتى لو ثبت العكس. وغيَّرت الولايات المتحدة قوانينها فيما عدلت اوروبا قوانين الهجرة، بعدما تبين ان الذين قاموا «بالغزوتين المباركتين» كانوا رجالا هادئين يعيشون في مدن بعيدة لا يعرف بها احد، من هامبورغ التي لا يزورها غريب الا الريح والموج، الى ميلانو التي تصنع اناقة الايطاليين وزبائنهم حول العالم، الى الارياف الاميركية حيث تقوم مدارس الطيران في الحقول الفسيحة البعيدة عن المعمور.

لقد كان شكل الرعب مختلفا تماما في القرن الماضي. وكان حجمه محصورا. اما في بداية هذا القرن «فالارهاب» يقلب كل شيء وكل المقاييس. «فالقاعدة» ليست حلقة ولا منظمة، بل هي دولة يقودها «البطل الذي ضرب اعظم الأمثلة في الزهد والعزة امير المؤمنين المجاهد الملا عمر حفظه الله»، والى جانبها، في انحاء العالم، ناشطون ومنخرطون يتوزعون في كل مكان. هذه ليست «الألوية الحمراء» الايطالية ولا «24 نوفمبر» اليونانية. ولا كارلوس. ولا حتى اوجلان. انه شيء يتخطى القرن الماضي الى القرن الحادي والعشرين. والى اللقاء.