الأردن أولا .. لماذا؟!

TT

مع تصاعد احتمالات اقتراب الضربة الاميركية المتوقعة للعراق ارتفعت وتيرة جدل بدأ خافتا ثم تصاعد، ربما يجري مثله وأشد منه في دول عربية اخرى، حول ما يمكن ان يفعله الاردن اذا بدأت الولايات المتحدة، ومن سيؤازرها وسيتحالف معها، بتنفيذ هذه الضربة .. وفي مواجهة من ينادي بضرورة ان «ينتحر» هذا البلد، على طريقة انتحار العاشق اذا ماتت او قتلت او انتحرت عشيقته، اذا مات او قتل او انتحر صدام حسين ارتفع شعار: «.. الاردن اولا»، ليس بقرار حكومي رسمي وانما كردة فعل شعبية.

مثله مثل كل اشقائه العرب اعلن الاردن، مرارا وتكرارا، رفضه لأي عمل عسكري اميركي وغير اميركي ضد العراق، وهو سيبقى يرفض مثل هذا العمل حتى اللحظة الاخيرة لكنه، اي الاردن، مثله مثل كل الدول العربية اذا وقعت الواقعة، فإنه لن يقفز الى الخنادق، ولن يربط مصيره بمصير نظام صدام حسين، وستكون مهمته الاولى الحفاظ على نفسه وتجنب التأثيرات الجانبية والتأثيرات المباشرة لـ «ضربة» ستكون زلزالا فعليا يهز اسس واركان المنطقة كلها.

لا يفيدك ان تكسب العالم كله وتخسر نفسك، وتجارب التاريخ اهم واكبر الدروس المستفادة و «.. السعيد من اتعظ بغيره والشقي من اتعظ بنفسه»، وبامكان العرب وفي مقدمتهم الاردن ان يستنكروا ويشجبوا وان يبذلوا كل جهد ممكن لتجنيب العراق الضربة المتوقعة لكن ليس بامكانهم، وفي مقدمتهم الاردن ايضا، ان يربطوا مصيرهم بمصير النظام العراقي وان يبادروا الى الانتحار على طريقة العاشق الولهان الذي لا يجد ما يعبر به عن الحب والاخلاص والتفاني إلا الانتحار واللحاق بها اذا انتحرت عشيقته.

.. نعم ان القرار هو قرار القيادة العراقية، وإن المسؤولية هي مسؤولية القيادة العراقية امام شعبها الراعف الجرح والمغلوب على أمره، ويقينا لو ان القرار للاردن وللدول العربية كلها او معظمها، لما وصلت الامور الى ما وصلت اليه، ولتمت معالجة أزمة المفتشين الدوليين قبل ان يعود الجمهوريون الى الحكم، وقبل ان تقع كارثة الحادي عشر من سبتمبر (ايلول)، وقبل ان يصل السكين الى البلعوم ويصبح الوقت متأخرا ويغدو التراجع بدون جدوى ولا فائدة.

«يداك اوكتا وفوك نفخ» وهذا لا نقوله من قبيل التشفي والشماتة، لا سمح الله، بل من قبيل المرارة، فمسيرة جرت على النحو المعروف وفي السياق الذي جرت فيه، لا يمكن ان تنتهي إلا الى هذه النتيجة، وكان على صاحب القرار في بغداد ان يعرف، ويضع حساباته على هذا الاساس، ان العرب سيشجبون وسيستنكرون وسيتضامنون بالكلام والدبلوماسية، لكنهم اذا لم يسعف النطق لن يقفزوا الى الخنادق، وانهم اذا كانوا غير قادرين على الحرب من اجل القدس والاقصى وفلسطين، فإنهم بالتأكيد لن يبادروا الى الانتحار من اجل استمرارية نظام لا تتفق ولا تلتقي غالبيتهم معه.

عندما يرفع الاردنيون شعار: «الاردن اولا» .. فإنهم في الحقيقة لا يتخلون عن التزامهم القومي ولا يخرجون من جلد أمتهم، فالحفاظ على الاردن، واي دولة عربية، عندما يقع زلزال لا قبل للعرب مجتمعين ومتفرقين في منع وقوعه لأسباب كثيرة، بعضها موضوعي وبعضها الآخر ذاتي، هو مهمة قومية وهو في صلب الذود عن العراق وليس النظام العراقي، وفي صلب الذود عن فلسطين والقضية الفلسطينية.

في عام 1991 عندما وقف الاردن الموقف المعروف، تعرض الكيان الاردني لأشد الاخطار الفعلية. وعندما اضطر الاردن لدخول الحرب في عام 1967 تحت ضغط مزايدات المزايدين وضغط صيحات الشارع الذي الهبت عواطفه اذاعات الصراخ القومي الاهوج فقد نصف مملكته.. والآن وبعد مرور كل هذه الاعوام وبعد ان جرى كل هذا الذي جرى، فإننا عندما ننظر الى الخلف لا نجد سوى ان نقول: «يا ليتنا تحلينا بالجرأة الكافية ولم ندخل الحرب».. يا ليتنا رفعنا شعار «الاردن اولا» في ذلك الحين.

لو ان هناك امكانية فعلية، وليس بالصراخ والتكاذب، لـ «تمريغ» انف الولايات المتحدة بالتراب لاعتبرناه مارقا كل من قال الاردن اولا والسعودية اولا وسوريا اولا. اما وان الحال هي هذه الحال فإن رفع هذا الشعار وممارسته يصبح بطولة ما بعدها بطولة، ويصبح عملا قوميا في مستوى القداسة، ويقينا ان من يقول ان الاولوية هي للاستشهاد على ارض الاردن اذا كان لا بد من الاستشهاد هو الاصدق، وهو الاكثر اخلاصا، وما ينطبق على الاردن ينطبق على العربية السعودية وعلى سوريا وعلى مصر وعلى كل الدول العربية بدون استثناء.