هذا الابن الذي لا يشبه أباه

TT

لم يواجه الرئيس جون كوينسي آدم مشكلة كهذه مع أبيه الرئيس الأسبق جون آدمز.

وما هو الذي يمكن أن نطرحه بشأن الهوة التي يبدو أنها نشأت بين الرئيس جورج دبليو بوش وأبيه الرئيس الأسبق جورج إتش دبليو بوش؟

لاحظوا من هو الأجدر «كما يبدو». فبوش الأب، الذي أصاب صدام حسين ثم تراجع وامتنع عن القضاء عليه، ملتزم بالصمت تجاه وعود الرئيس الحالي المتكررة بالإطاحة بأبشع الحكام وأشدهم خطورة.

لكن ثلاثة من كبار مستشاري بوش الأب للشؤون الخارجية، يتزعمون اتجاها يستهدف القضاء على خطط الإدارة الحالية.

فبرنت سكوكروفت ظل دائما يذكرنا بعهد بوش الذي مضى. هذا المدافع عما حدث خلال نهاية «أم المعارك» اشترك في كتابة مذكرات الرئيس الأسبق. وعندما حثنا في مقال نشرته «وول ستريت جورنال» على أن ننتظر حتى يهاجمنا صدام، كان سكوكروفت قد أطلق الرصاصة الأولى من بين الرصاصات التي أطلقها رفاق بوش الأب على نيات بوش الابن بشأن تحرير الشعب العراقي.

وجيمس بيكر، الذي شغل منصب كبير موظفي بوش الأب ثم أصبح وزيرا لخارجيته، وهو غير مكترث بالرد العسكري على عدوان صدام حسين، كان قد انضم إلى يفجيني بريماكوف، السوفياتي السابق، لاقتراح التوصل إلى تسوية اللحظة الأخيرة. وبعد تعثره في سوء إدارة حملة إعادة انتخاب جورج بوش الأب، تمكن بيكر من استعادة ثقة آل بوش بإدارته الناجحة لعملية إعادة إحصاء أصوات الناخبين في فلوريدا خلال عام 2000.

لكنه خلال الأسبوع الماضي وبعد التواصل مع بوش الذي مضى، دعا للتأني حتى يتسنى للأمم المتحدة العودة لنهج التفيش مرة أخرى، هذا النهج الذي يعتقد الرئيس الحالي بأنه قد يمهد لتخاذل محفوف بالمخاطر.

وبالأمس أطل علينا لاري إيغلبيرغر، الدبلوماسي الذي خدم بوش الأب، وأقنع إسرائيل بأن تتمهل وتصبر على هجمات صدام الصاروخية، وألقى بثقله هو الآخر ضد سياسة الرئيس بوش، عبر برنامج تلفزيوني شهير، حيث قال إنه سيقبل بأن تقرر الولايات المتحدة توجيه الضربة الأولى فقط متى ما تبين أن صدام على وشك استخدام قنابله الذرية (متجاهلا الغازات السامة والجرثومية التي يمكن تحمليها في صواريخ وإستخدامها كأسلحة دمار شامل).

يبدو أن هناك مجموعة من حرس بوش الأب ممن يعارضون الرئيس الحالي. والقلة فقط يمكنها أن تشك في أن وجهة نظر مجموعة الثلاثة جاءت تكرارا لما يطرحه وزير الخارجية الحالي الجنرال كولن باول، الذي كان رئيس هيئة أركان بوش الأب، والذي كان قد وعد بـ«قتل» جيش صدام، لكنه في ما بعد قضى على النصر الذي حققناه بوقف المعركة قبل أن تحقق أهدافها.

هل يعنى ما يطرحه هذا الرباعي أن هناك عدم اتفاق مجموعة رئيسية تنتمي لبوش الأب مع بوش الحالي؟ ردا على هذ السؤال قال إيغلبيرغر بالأمس: «لا أحد منا يتحدث باسم الرئيس الأسبق بوش. والرئيس الأسبق لا يستخدمنا للسعى من أجل نقل رسالة لابنه».

في اعتقادي، كما يقول المقربون من آل بوش، يبدو أن العلاقة بين الأب والابن حميمة للغاية وأنه لا حاجة للتوسط بينهما. إضافة إلى ذلك، وبناء على أية محاولة لدراسة هذا التنافر في سياسة الاثنين، يمكن لباربره بوش أن تدفع زوجها وابنها لمواجهة بعضهما البعض مباشرة.

لكن مالا يمكن تصديقه هو أن أيا من هؤلاء النقاد لم يستشر رئيسه السابق مقدما. والواضح أنه لم يبذل جهدا لكبح جماح هجومهم الذي استهدف موقف نجله. وما لا يمكن الهروب منه على أثر ذلك هو ظهور شقاق. وفي عالم السياسة، فإن ما تتعامل معه الصحافة وما يتداوله الناس هو واقع الحال.

من المؤكد أن على بوش الأب إدراك، بل معرفة، أن قبوله لمثل هذا الانقسام العائلي سيشجع البعض على معارضة خطة نجله التاريخية المتعلقة بإصلاح الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط.

وهذه رواية سياسية عظيمة تذكرنا بما ألفه شكسبير. وهنا يتساءل الجمهور: هل يختلف موقف الرئيسين بوش بشأن أهم قضية في عالم اليوم؟

أعتقد أن بوش الأب، ولتجنب المواجهة، سيقول: إن زملائي السابقين أحرار في طرح وجهة نظرهم، لكنهم لا يتحدثون نياية عني. وأنا لا أقول لأولادي ما يفعلونه.

ومثل هذا الطرح قد يكون واقعيا، لكنه لن يلقى القبول. ومع اشتداد حدة الجدل، ومع استخدام الحمائم الديمقراطيين لحرس بوش القديم في عملية التأثير على إدارة بوش الحالية، ومع حلول الوقت عندما يتوجب على الكونغرس أن يقرر ما إذا كان عليه دعم الرئيس الحالي من عدمه، فإن بوش الأب سيكون عليه مواجهة نجله بشكل غير معلن ثم تبني موقف معلن.

إما أن يحظى بتأييد أبيه أو يظهر خلافهما علنا؟ إما أن يختلف الأب مع الزعيم الجديد أو أن يفخر الأب بما يفعله ابنه؟ وذلك هو ما قد نتعرف عليه.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»