فلسطين .. أولى ضحايا الحرب على العراق

TT

يجتاح الوجدان العربي والإسلامي قلق وتخوف كبيران من مخاطر التعمية الجارية على قدم وساق، لما يجري في فلسطين من انتهاك واسع ومنظم لحقوق الإنسان، في ظل العاصفة الإعلامية المثارة حول العراق.

ويتخوف الكثيرون من احتمال وجود سيناريو مأساوي خطير للشعب الفلسطيني، قد يبدأ العمل به الجلاد شارون في اللحظة التي تدنو فيها ساعة الصفر للهجوم على بغداد.

ويرى عديد من المحللين بأن حكومة الليكود الإسرائيلية، ربما باتت جاهزة بعدما ألغت عبر تصريحات زعيمها الأخيرة كافة المواثيق والتفاهمات مع السلطة الفلسطينية، للانقضاض النهائي على انتفاضة الأقصى المباركة بكل مفاعيلها وإفرازاتها الشعبية والاجتماعية وليس العسكرية والأمنية فقط.

من هنا يطالب الكثيرون بالتنبّه والحذر مما يعدّ للقضية المركزية تحت ظلال السيوف الممشوقة باتجاه العراق، ووسط غبار المعركة المرتقبة على ساحته، ويلحون على ضرورة إعادة تقويم العمل الفلسطيني الفصائلي والحزبي بما يخدم وحدة القرار والخطاب السياسي.

وفي هذا السياق، فإنه مخطئ من يظن من الفلسطينيين أن المقصود بالذبح أو الاعتقال أو الابعاد أو التشريد هو فئة من الفلسطينيين دون غيرها، وأن هناك هدايا أو امتيازات ستقدم لأحد على أية طاولة من طاولات المفاوضات السرية أو العلنية، مهما قدم من شهادات حسن سلوك «إصلاحية»!.

ومخطئ أيضا من الفلسطينيين من يظن أن بإمكانه أن يحصل على ضمانة اعتراف بحقوقه الوطنية والتاريخية من أي طرف عالمي، مهما كان متعاطفاً أو صديقاً حتى وإن كان صاحب مصلحة فيما يسمى بـ «السلام الفلسطيني ـ الإسرائيلي» أو «السلام العالمي»، دون أن يكون حاملاً في اليد الأخرى بندقية المقاومة والتصدي للمشروع الاستيطاني الصهيوني، والتي يجب أن تبقى مرفوعة حتى على طاولة المفاوضات، باعتبارها الخيار الأول والأخير وليس الآخر القادر على طرد المحتل والغاصب والمعتدي.

انه عالم لا يعرف للأسف الشديد إلا لغة الحديد والنار ومعادلة القوة.

وهذا لم يعد خافياً أو صعباً على الإدراك حتى لدى المراقب البعيد للملف الفلسطيني، فكيف بالمنخرطين فيه من أصحاب القضية وطلاب الحق.

المبادرة الأوروبية الجديدة كما كل المبادرات الدولية التي سبقتها خطوة أخرى لتكريس واقع الاحتلال والعدوان على شعب الجبارين، الهدف منها تسكين مطالب الفلسطينيين العادلة والمساكنة بين الضحية والجلاد، ولا تحمل في الأفق أي نسبة من نسب النجاح.

ولا يزال الخطر الكبير القائم على اخوتنا الفلسطينيين وأهلنا في أرض الرباط، هو أن يتعرضوا في غفلة جديدة من الزمن ومن الوعي العربي والإسلامي، الذي يرقد في غرفة العناية الفائقة هذه الأيام، إلى ترانسفير جديد، أي تهجير جماعي لا يُبقي ولا يذر، في لحظة اندلاع «حرب تحرير الإرادة العراقية» أو ما يحلو للبعض من النخب الغربية تسميته «باستدعاء الديمقراطية للعراق».

ليس مطلوبا من أحد التخلي عن مطالبه أو حق من حقوقه القطرية أو المحلية، لكن المطلوب بقوة وتنبه شديدين هو معرفة الإطار العام واللحظة التاريخية التي تتحرك فيها الأمور والقضايا الخاصة ببلادنا وأمتنا العربية والإسلامية.

جميل جدا وعظيم أيضاً، ورائع أكثر أن ينتصر المرء في الحرب على أعدائه، لكن الأجمل والأعظم والأروع كما يقول قدماء الحكماء الصينيين، ان ينتصر المرء في الحرب دون أن يخوضها.