الصيدلي ومصيدة الإنترنت!

TT

* الى كاتبي العزيز، في الحقيقة هذه اول مرة ارسل لك، وان كنت من متابعيك القدامى. لدي مشكلة أود ان اطرحها عليك لعلك ترشدني للحل. فأنا يا استاذي احتل الصدارة في ترتيب اخوتي بالاضافة الى تميزي بمميزات الدلال والترفيه. فأنا مجاب الطلبات وكل شيء متوفر لي. مشكلتي بدأت عندما تخرجت من الثانوية العامة وقد نجحت ولله الحمد بتقدير ممتاز. وهذا التقدير كان الخطوة الاولى للوصول الى حلمي كي اصبح دكتوراً صيدلياً مشهوراً، فمنذ صغري وأبي وأمي ينادياني بالصيدلي وكانا يغنيان لي: صيدلي يا صيدلي.

عندما تخرجت ذهبت من قريتي الى العاصمة الرياض وقدمت اوراقي كي التحق بكلية الصيدلة، فتمت اختبارات القبول وتم قبولي ولله الحمد، وكانت سعادتي انذاك هي الفرحة الغامرة التي ملأت قلب ابي وامي، كان كل شيء بالنسبة لي طيباً وكانت تزداد سعادتي كلما اتصل بي والدي وقال: كيف حالك يا صيدلي. سار الحال على هذا المنوال مدة معينة حتى اتت تلك العقبة في حياتي والتي ما زلت اعاني منها. تعرفت على احد زملائي بالكلية وكان متمرساً بالانترنت، فأدخلني الى ذلك العالم العجيب فانبهرت به، وادخلني ايضاً الى دهاليز «التشات» وآه ثم آه من «التشات»، انشغلت بـ«التشات» وكان جل اهتمامي وأهملت دراستي وكونت صداقات متعددة مع جميع الاجناس من شتى الاقطار وكانت فواتير الانترنت بالاضافة الى فواتير الجوال ضخمة، وكان والدي طبعاً يسددها ويقول لي: انتبه يا صيدلي لدراستك لا اريد ان احرمك من شيء ولا اريدك ان تنحرم من تفوقك.

اندمجت في «التشات» اي اندماج ونسيت كل من حولي لدرجة اني كنت اظل اسابيع في شقتي الفارهة لا اخرج، معتكفاً امام هذا «التشات» اللعين، فأخذت سنتين على هذا الحال وكليتي لا اعلم عنها اي شيء مجرد صنم احضر كي لا آخذ حرمانا، مرت الأترام، ترم تلو ترم، حتى تم فصلي من الكلية نتيجة للانذارات التي اخذتها، عندما علمت بفصلي من الكلية انهرت اي انهيار، فقد ضاع حلم المستقبل وانا الذي اضعته بيدي، لم يعد اسمي صيدلي، ولم اعد ذلك الطالب المتفوق.

رجعت الى قريتي وانا اتهرب من عيون والدي الحزينة، مرت علي فترات كئيبة وانا منعزل عن الناس لأني لست صيدلياً، اقسمت بالله اني سأعوض والدي وأمي عن ذلك الحلم، وتقدمت الى جامعة الملك عبد العزيز ودخلت قسم الهندسة الكهربائية وكنت وما زلت من الأوائل، ومعدلي ولله الحمد ممتاز. بالرغم من فرحة والدي التي عادت اليه، الا انني احس بالذنب تجاهه لأني حرمته ان يكون ولده صيدلياً.

الصيدلي السابق: عبد الرحمن

** حكايتك درس لهؤلاء الذين يضيعون في شوارع ومدارس الانترنت، انشرها للعظة، اما انت فلقب مهندس لا يقل عن لقب صيدلي، المستقبل امامك وعليك بنسيان الماضي.