المواجهة العسكرية مع العراق في الشهر الأول من العام المقبل

TT

المتتبع لتصريحات وخطب الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش، يدرك انه مصمم على شن الحرب على العراق. فهو، في بحثه احيانا عن الكلمة او عن العبارة، يستقر باستمرار عند: «علينا مواجهة الاخطار المحدقة بنا، لا خيار آخر لنا، الا بالمواجهة». ورغم «الضجة» الديبلوماسية والاصوات المطالبة بالتوجه الى الامم المتحدة، فان سرعة التحضيرات العسكرية الاميركية تتضاعف مع الايام.

جدول الاعمال الاميركي يعتمد على عمل عسكري ضد العراق. ورغم ان فريق عمل الرئيس جورج دبليو بوش سيتكلم هذا الاسبوع عن الخيارات الديبلوماسية، فالحقيقة هي ان هذا الفريق يعتقد انه لا بد من الحرب، لاسباب تتعلق بمستقبل الشرق الاوسط.

لقد شعر هذا الفريق بالتشجيع، بعد قراءته لحديث صحافي ادلى به الرئيس الفرنسي جاك شيراك، يوم الاثنين الماضي، لصحيفة «نيويورك تايمز» قال فيه ان على مجلس الامن منح مهلة ثلاثة اسابيع للرئيس العراقي صدام حسين، ليسمح بعودة المفتشين الدوليين الى العراق من دون شروط مسبقة، واذا رفض العراق ذلك، قال الرئيس الفرنسي، عندها على مجلس الامن ان يصدر قرارا آخر بعمل عسكري ضده.

يأتي الموقف الفرنسي الجديد، بعدما رفضت المانيا، الرافضة للحرب، استقبال اي مبعوث عراقي. في هذه الاثناء تزامن صدور تقرير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، عن احتمال اقتراب العراق من امتلاك السلاح النووي، مع الميل الاميركي البريطاني الى تحذير العالم من الخطر النووي العراقي، رغم ان المؤسسة قالت انها بدأت اعداد تقريرها منذ شهر حزيران (يونيو) الماضي.

عندما وقعت الهجمات الارهابية في 11 ايلول (سبتمبر) الماضي على نيويورك وواشنطن، اتخذ فريق بوش قرار ضرب العراق، ويلاحظ انه منذ تولي رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون السلطة وهو «يحذر» الادارة الاميركية من ان الخطر الحقيقي يكمن في العراق وايران «اما الفلسطينيون فيمكن استيعابهم»، لذلك لو لم يبرز العراق الآن لاسباب كثيرة، لربما تركزت الانظار على ايران المشغولة بالتبادل النووي مع روسيا، وقد بذل الرئيس بوش جهدا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لوضع نهاية للمساعدة النووية لايران، لكنه لم ينجح. وبعد ايران لكانت برزت كوريا الشمالية.

ويقول خبير بريطاني، ان على الغرب ان يفكر قبل الحرب، باعتماد سياسة الاحتواء والردع، والسبب الذي منع العراق من استعمال اسلحة الدمار الشامل عند غزوه للكويت، يعود الى ان وزير الخارجية الاميركي السابق جيمس بيكر كان حاسما عندما ابلغ وزير الخارجية العراقي آنذاك طارق عزيز، انه اذا ما لجأ صدام حسين الى اسلحة الدمار الشامل فان الرد سيكون مدمرا للعراق.

ان السبب المقنع لشن حرب على العراق، ما زال يرتكز على ما يملك صدام حسين من اسلحة دمار شامل او ما يحاول الحصول عليه او «سرقته» لصنع القنبلة النووية. ومنذ اربع سنوات والعراق بلد مغلق تقريبا، وليس معروفا ما اذا كانت المعلومات الامنية التي تعتمد عليها الادارة الاميركية، حديثة العهد او صحيحة. ويرى مصدر اميركي ان الدراسة التي اصدرها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن مشابهة لمعلومات الاجهزة الامنية الاميركية، خصوصا من ناحية عدم امتلاك العراق حاليا للاسلحة النووية، انما قد يقترب من ذلك. لكنه يملك «الكثير من الاسلحة الكيماوية وهذا ما يقلق واشنطن».

ويقول المصدر الاميركي، ان المشكلة تكمن في صعوبة الدخول، ولو عسكريا، الى العراق، واقامة حكومة جديدة، كما فعلت واشنطن في افغانستان، لان الحماية الوحيدة التي يبدو ان حامد كرزاي الرئيس الافغاني يتمتع بها، تأتي فقط من خلال حراسة الاميركيين. ويتمنى المصدر الاميركي، المقرب من لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكونغرس، لو ان هناك طرقا تكنولوجية مع كل ما ترصده وزارة الدفاع للامن، «تمكننا من حل مشكلة صدام حسين واسلحته، من دون غزو عسكري. لكن، يبدو ان الرئيس بوش مصر على القيام بعملية عسكرية في العراق، انما السؤال هو عما سيليها؟».

لا احد يجزم بأن تقرير المعهد البريطاني والمعلومات الامنية التي تدرسها واشنطن عن قدرات العراق العسكرية، هي حديثة، بل ربما يعود تاريخها الى اربع سنوات مضت، فلماذا لم يُتخذ حينذاك قرار الغزو العسكري؟

يجيب المصدر الاميركي، ان السؤال الاهم هو: لماذا لم ينه الرئيس بوش الاب، العملية العسكرية؟ ويضيف، ان ما يثير الرئيس بوش حاليا هو امتلاك العراق للانثراكس ولمواد كيماوية اخرى، «لكنني ما زلت افضل اعتماد اساليب تكنولوجية للسيطرة على تحرك هذه المواد واحتمال خروجها من العراق».

خلال اجتماع للمعارضة العراقية، ادارته الاسبوع الماضي وزارة الخارجية الاميركية في منطقة «ساري» القريبة من لندن، قال كنعان مكية، المعارض العراقي، ان الحرب الاميركية ستكون كالتالي: العراق اولا، ثم ايران، فسورية.

ومن المعروف، ان عددا من المسؤولين في الادارة الاميركية الحالية يدركون ان ايران متقدمة على العراق في برنامجها النووي، فهل تفكر الادارة لاحقا بعملية عسكرية ضد ايران؟ يجيب المصدر الاميركي: «كلا، ان عددا من رجال الكونغرس الاميركي يرفضون منطق غزو الدول، بل يفضلون ايجاد اساليب اخرى لايقاف هذه البرامج، ثم ان البرنامج النووي الباكستاني اكثر خطرا على المدى الطويل من البرنامج الايراني والبرنامج العراقي، خصوصا ان باكستان صارت تمتلك القنبلة النووية، وتسيطر مجموعة من الجنرالات الباكستانيين على ثلاثة او اربعة اسلحة نووية مختلفة، ولا بد لاحقا من ان تدفع اميركا ثمن البرنامج النووي الباكستاني، خصوصا اننا نوفر دعما ضمنيا لباكستان لتطوير برنامجها النووي».

ويؤكد المصدر الاميركي، ان الغزو العسكري لن يحل المشكلة، لأن على اميركا ان تغزو عدة دول، والسؤال هو: ماذا تفعل بعد ذلك؟ انها مشكلة علينا ان نتعايش معها انما يجب ايجاد وسائل تكنولوجية حديثة لمنع الدول من استعمال اسلحة الدمار الشامل، وان نوضح لهذه الدول انه اذا استعملتها فسنضطر لاعتماد العمل العسكري ضدها. ويضيف المصدر الاميركي: «لا ادري كيف يمكننا ان نغزو هذه الدول ونقيم فيها حكومات مناسبة لنا، لانه على المدى البعيد سننشر الفوضى التي ستنعكس علينا بكل تأكيد».

من المؤكد ان هناك دولا اخرى تملك الاسلحة النووية، ابرزها: اسرائيل والهند وباكستان وكوريا الشمالية، واذا كانت الدول الثلاث الاولى، بنظر اميركا في خانة الحلفاء، فانه لا نفط في كوريا الشمالية.

ويقول سيمون بيرسون، الخبير العسكري ومؤلف كتاب: «الحرب الشاملة عام 2006» (عن طبيعة الحروب النووية في المستقبل) يقول ان الهند وباكستان تملكان صواريخ باليستية، ولدى اسرائيل حوالي مائة صاروخ نووي «اريحا ـ 2» و«اريحا ـ 3»، وهذه قادرة على محو معظم العالم العربي، ثم ان ايران في طريقها للحصول على البلوتونيوم واليورانيوم المخصّب، وهذا ما ينقص العراق. ان لدى العراق وايران تكنولوجيا الصواريخ الباليستية، انما ينقصهما حاليا المواد الصحيحة، ويمكن للدولة ان تصنّع هذه المواد، كما يحاول الايرانيون حاليا، وما يمكن للعراق ان يفعل. ويرى بيرسون ان ايران والعراق يشعران انهما يحميان نفسيهما من الاسلحة النووية الاسرائيلية اذا ما امتلكا هذه الاسلحة. لكنه يضيف، ان علينا ان نعرف، اذا ما تأكد ان العراق اصبح يمتلك الاسلحة النووية، ولم تتحرك الولايات المتحدة فان اسرائيل ستكرر ما اقدمت عليه عندما دمرت مفاعل اوزيراك النووي، واذا شم جهازا الموساد والشين بيت رائحة خفيفة توحي بان العراق على وشك امتلاك سلاح نووي، قد يستعمله في المستقبل ضد اسرائيل، فانهما سيقصفانه.

ويقول بيرسون، ان الخطر الكبير الذي يشكله العراق حاليا، هو تطويره للاسلحة البيولوجية مثل البوتولينيوم والانثراكس، وهو يملك ما يفوق ستة آلاف ليتر من الانثراكس وحوالي عشرة آلاف ليتر من البوتولينيوم، وهذا النوع من الاسلحة سيكون له اسوأ وقع على مدن الغرب، اكثر من احتمال امتلاكه للاسلحة النووية.

لقد نجحت واشنطن في وضع العراق في الزاوية. فاليوم (الخميس) سيلقي الرئيس بوش خطابا في الامم المتحدة قد لا يتضمن المطالبة بعودة المفتشين الدوليين، وانما باستئناف عملهم فورا. وعلى صدام حسين الا يخدع نفسه، اذ هناك خياران امامه لا ثالث لهما: اما القبول بعودة المفتشين الدوليين من دون شرط «الحل الشامل»، واما الاستعداد لمواجهة عسكرية، يقول العارفون انها ستقع في الشهر الاول من السنة المقبلة، اي بعد شهر رمضان المبارك، وبعد احتفال الاميركيين بعيد الشكر، وبعد عيدي الميلاد ورأس السنة.