أميركا... والعالم

TT

بعد يوم واحد من الاحتفال بذكرى احداث 11 سبتمبر (ايلول) الاليمة في الولايات المتحدة خطب الرئيس الاميركي جورج بوش امام الجمعية العامة للأمم المتحدة في موضوع المرحلة المقبلة من حملته العالمية على الإرهاب. ومجرد تفكير بوش في الخطابة حول هذا الموضوع في مقر الأمم المتحدة يعتبر خطوة مهمة لغير سبب واحد.

فهي بدايةً، تعني ان الإدارة الحالية في واشنطن قررت ان تبتعد قليلاً عن نزعاتها الانعزالية المبكرة، وتبدأ بمخاطبة العالم. ولا شك ان منطق «اميركا الحصن» الذي روج له بعض اركان الادارة في بداية عهدها اهتز اهتزازاً شديداً إثر احداث 11 سبتمبر 2001. وقد جاء على لسان بوش نفسه القول «كل الدول معرضة» للعنف والارهاب.

وكما كان متوقعاً انتهز بوش هذه الفرصة مكرراً توجيه الشكر الى كل دول العالم التي وقفت مع اميركا شعباً وقيادة ومنحتهما كل صور التعاطف والتضامن خلال الاشهر الـ12 الفائتة.

وجوهر وحدة البشرية يختصره ببلاغة شعار للأمم المتحدة، هو عبارة عن مقطع من قصيدة الشاعر الايراني الكبير سعدي الشيرازي، حفرت كلماته داخل البرج الزجاجي في حي مانهاتان، وهي:

البشر كلهم جسم واحد لأنهم عند خلقهم انما خلقوا من جبلة واحدة، فإذا ضير احدهم شعر بألمه الجميع.

ولهذا السبب قوبل قرار واشنطن بإحالة موضوع العراق الى الأمم المتحدة بارتياح دولي عام. فقد اتاح الرئيس الاميركي بذلك فرصة جديدة لتسوية سلمية للمأزق الراهن مع العراق. والكرة الآن في ملعب كل من الحكم العراقي والأمم المتحدة المطلوب منهما استغلال هذه الفرصة ومنع إهدارها.

على صعيد آخر، ينبغي الاعتراف انه بقدر ما كان العالم بحاجة الى اميركا فإن اميركا بحاجة الى العالم. وحيثما وضعت اميركا امكانياتها الجبارة في خدمة المجتمع الدولي والقانون الدولي والعدالة الدولية جاءت النتائج طيبة وخيرها عميما كما حصل في اوروبا بعد الحرب العالمية الثانية وحصل اخيراً في افغانستان. وبالعكس، حيثما سخرت هذه الامكانيات الجبارة في اتجاه مناقض للعدالة والقانون الدولي حصدت اميركا والعالم بأسره الخسران والندم.

للأسف، حالياً هناك قوى داخل واشنطن تسعى لاستغلال اسباب القوة العظيمة المتوفرة لأميركا في غايات خاصة وايديولوجية ضيقة. كما توجد قوى مصرة على سحب اميركا من المجتمع الدولي وعزلها عن القضايا الدولية، سامحة لشريعة الغاب بأن تسود. وهاتان القوتان قد تلحقان ببلدهما وبالعالم وبمستقبل السلام ضرراً عظيماً.

ان عالمنا اليوم يجد نفسه امام تحديات خطرة، بعضها قاتل، تستحيل مواجهتها الا بأعرض تفاهم عالمي ممكن، وتفاهم عريض على هذا النحو لا بد ان تلعب فيه اميركا دوراً قيادياً. ولكن يتوجب على اميركا إذا كانت جاهزة للنهوض بمسؤوليات القيادة ان تصغي للآخرين وتناقش معهم سياساتهم وتصوراتهم ومخاوفهم بشعور قوي بالمسؤولية.

وباختصار شديد، كان خطاب بوش امام الجمعية العامة أمس خطوة في الاتجاه الصحيح.