الولايات المتحدة هي التي تغيرت وليس العالم

TT

هل حقا تغير العالم بعد 11 سبتمبر (ايلول) 2001؟ وما الذي تغير فيه؟ ام ان الولايات المتحدة هي التي قررت تغيير استراتيجيتها العالمية وحمل كل الدول والشعوب على التكيف مع هذا التغيير او الرضوخ له؟ وهل تستحق الصدمة التي تلقتها الولايات المتحدة شعبا وحكومة في سبتمبر الماضي، على فداحتها قرارا بمثل هذه الخطورة والتأثير على مصائر الشعوب والدول، ونعني اعلان حرب عالمية على الارهاب، وكل من يؤوي او يشجع او يمول الارهابيين. حتى ولو كانوا كالانتحاريين الفلسطينيين مقاومين لاحتلال ارضهم؟

ان المشكلة السياسية والقانونية العالمية الجديدة التي ولدتها ردة الفعل الاميركية على عملية 11 سبتمبر متعددة الابعاد والجوانب. فبعد ان كان العالم بأسره والدول الصديقة للولايات المتحدة فيه، بل الشعوب العربية والاسلامية ايضا، ينظر الى الولايات المتحدة كدولة كبرى مسؤولة عن حفظ السلام في العالم وعن مساعدة الشعوب والدول ماليا واقتصاديا، اذا بهذه الدول تجد نفسها فجأة، تواجه انذارات وضغوطا شديدة من قبل الادارة الاميركية الطالبة منها وضع كل همومها وامانيها وحقوقها جانبا، والتفرغ لمطاردة واعتقال ومعاقبة كل من تتوفر فيه الشروط الاميركية (والاسرائيلية)، ليعمد ارهابيا؟.

نعم، ليس العالم هو الذي تغير بعد 11 سبتمبر، بل الولايات المتحدة واستراتيجيتها الدفاعية وعلاقاتها الخارجية وسلم اولوياتها كله. وهو لسوء حظ العالم والولايات المتحدة، تغيير سلبي في قراراته وغاياته. لقد قررت الادارة الاميركية تصنيف كل من لا يساعدها على محاربة الارهاب (كما تصفه وتحصره في الجماعات الاسلامية والعربية) خصما او عدوا، وقررت احتلال افغانستان وهي تستعد لضرب العراق او احتلاله. وربما قد تضطر غدا الى احتلال باكستان والسودان وليبيا والجزائر وكل بلد عربي او اسلامي تعتبر نظامه خطرا عليها. ترى هل يستحق أسامة بن لادن و«القاعدة» والجماعات الراديكالية الاسلامية، حتى ولو كانوا قادرين على ايذاء الولايات المتحدة ومصالحها، رصد مئات المليارات لتطوير السلاح الاميركي والتضييق على الحريات الشخصية للاميركيين، وجعل «محاربة الارهاب» المحك الرئيسي لحسن علاقات واشنطن بالدول والشعوب؟

كثيرون هم الذين باتوا يعتقدون أن عملية 11 سبتمبر الارهابية ليست هي السبب الحقيقي لهذا التحول الاستراتيجي الاميركي، بل هي حجة او ذريعة. صحيح ان الشعب الاميركي لم يعرف من قبل عدوانا على اراضيه، وان التحدي كان سافرا وقاسيا، وان هناك ضحايا ابرياء دفنوا تحت انقاض برجي نيويورك، وانه من الصعب كبح جماح الغضب الاميركي، وانه من حق الادارة الاميركية ان تبادر الى الدفاع عن امنها ومصالحها المهددة علنا من قبل جماعات ارهابية، كـ«القاعدة» وبعض الجماعات الاسلامية الراديكالية، ولكن ان تتغير الولايات المتحدة ويتغير العالم معها وتصبح مصائر الشعوب معلقة بانتظار تصفية بن لادن وصدام حسين وبضع مئات او حتى الوف ممن اختاروا الارهاب لمقاومة سياسة الولايات المتحدة في الشرق الاوسط، فذلك مما يؤسف له، بل يخشى منه على البشرية جمعاء، وما يدعو الى الظن أن هناك اسبابا داخلية اميركية، اقتصادية وسياسية شخصية وعقائدية وراء هذا التغيير. (شخصية الرئيس جورج بوش، ضغط اللوبي اليهودي وحلفائه المحافظين المسيحيين، اللوبي الصناعي العسكري، وإلهاء الرأي العام الاميركي بهذه الحرب لتغطية الفضائح المالية الكبيرة التي ضاعفت من خطورة التراجع الاقتصادي الاميركي عام 2001.

لقد شعرت كل الدول والشعوب بهذا التغيير الذي فرضته الادارة الاميركية عليها وعلى العالم بأسره. ورافق شعورها احساس بأن التغيير لم يكن محتما او ضروريا بل ان اضراره على الولايات المتحدة والعالم اكبر من حسناته او ايجابياته. هذا اذا كانت له اي حسنة او نتيجة ايجابية. ان الولايات المتحدة، كما قال احدهم، تطلب من دول العالم ان تصعد معها الى قطار دون ان تخبرها الى اين يتجه، والى مشاركتها في محاربة عدو مجهول. انه من حقها ان تدافع عن نفسها ضد خطر تعتبره محدقا بها، ولكن من حق الدول والشعوب، ولا سيما العربية والاسلامية، ان تطلب منها على الاقل ألا تقدم مصلحة اسرائيل، وهي المعتدية على مصلحة الفلسطينيين وهم الضحايا، ألا تعتبر ما يقوم به ارييل شارون «دفاعا عن النفس» ومقاومة الاحتلال والاغتصاب الاسرائيلي ارهابا؟ من حق الادارة الاميركية ان تدفع الاذى عن الشعب الاميركي، ولكن بالوسائل التي يسمح بها القانون الدولي، وبدون ان تطيح بالمبادئ الاساسية كاحترام حقوق الانسان وسيادة الدول وحق الشعوب في اختيار مصيرها.

ان اختيار بعض الجماعات الاصولية الاسلامية الراديكالية، امثال «القاعدة»، العمليات الارهابية ضد الولايات المتحدة والانظمة العربية، يشكل ولا ريب، خطرا ومن حق من يتعرضون الى هذا الخطر الدفاع عن انفسهم، ولكن الحرب والقتال والعنف والاضطهاد والقمع ليست السبل الوحيدة للقضاء على الارهاب ولا افضلها. وقديما قيل: «يكاد الانسان في خوفه من الفقر يعيش في فقر»، وليست افضل طريقة لضرب الارهاب هي في «تعييش» الشعوب والعالم بأسره في حالة الخوف من الارهاب.

كلا، ليس الارهابيون بالشريرين الوحيدين في العالم، بل هناك شريرون اقتصاديون وماليون كهؤلاء الذين افلسوا عدة شركات كبرى في الولايات المتحدة واوروبا واضاعوا اموال الارامل واليتامى الموظفة في شركاتهم. وهناك متعصبون اصوليون وارهابيون في اسرائيل وفي الولايات المتحدة ودول عدة اخرى، والحرب على الارهاب لا يجوز ان تحصر بالارهابيين الاسلاميين فقط. وقد يكون الحلف الاميركي ـ الاسرائيلي اقوى بكثير مما نتصور، ولكن هل اصبحت مصلحة الولايات المتحدة هي نسخة عن مصلحة اسرائيل او العكس؟

لقد تغيرت الولايات المتحدة كثيرا بعد 11 سبتمبر، وهي تدفع العالم بالحاح وشدة، لكي يشاركها او يساعدها او يخضع لها في هذا التغيير، ولكن من مصلحة العالم ألا ينجر وراء الولايات المتحدة في هذا الطريق الجديد الذي اختارته، وان يقنعها بأن هناك طرقا أخرى افضل للقضاء على الارهاب، اسلامويا كان ام غير اسلاموي.

ولا شك في ان للعرب والمسلمين حكومات وشعوبا، دورا خاصا في اقناع الولايات المتحدة بتغيير اسلوبها ومعالجة ظاهرة الارهاب في العمق وليس باطلاق الصواريخ على بغداد وغير بغداد.