المنطق والعاطفة في الشأن الفلسطيني

TT

بعض الفلسطينيين وبعض العرب معهم، يؤمنون بان العمليات الفدائيــــة هي الحل الامثل الذي يحاربون به اسرائيل. ووجدت صديقا فلسطينيا يحمل الجنســيـة الامريكية، وهو خريج احدى جامعات الولايات المتحدة، يجادلني في ذلك، بالقول ان (الاستعمار) الاسرائيلي لن يرحل عن فلسطين سوى بالمزيد من العمليات الفدائيه.

ويبدو ان العرب يجدون صعوبــة في فهم الوجــود الاسرائيلي على ارضهم.

فالاسرائيليون ليسوا مستعمرين، وانما مستوطنين، استوطنوا الارض بحجة دينية يؤمن البعض منهم بها واقتنع الباقون منهم بأنها حل يحقق حاجــة يهـــود العالم الــى ارض ينتمون اليها، بعد ان تعرضوا لمضايقات فى بلدانهم الاصلية في اوربا وامريكا. واستئصال الاستيطان اصعب مـــن الخلاص من الاستعمار، والقضاء على اسرائيل، في ظل الواقع الحالي، وفي المستقبل المنـظور للفلسطينين والعرب، لا يبدو ممكنا. ولا توجد اي دولة بين دول العالـــم ذات ثقل سياسي وعسكري واقتصادي تقر العرب على انهاء الوجود الاسرائيلي، والغاء دولة اسرائيل. وعندما حاربت اسرائيـــل العرب عـــام 1956، كان البريطانيون والفرنسيون الى جانبها، وعندما

دخلت الجيوش المصرية عام 1973 ارض سيناء (المحتلة عـام 1967)، وكادت ان تتفوق على الآلـة العسكرية الاسرائيلية، فتح الامريكيون جسرا جويا بيـن امريكا وسيناء لمساندة القوات الاسرائيلية.

لماذا يعجز العرب عن استيعاب الواقـــع والتعامل معه؟ ولماذا لا يسلكون سبلا منطقيه تحقق للفلسطينيين قيام دولتهم؟

عندما اعلن الرئيس التونسي السابق الحبيـب بورقيبة شعار (خذ وطالب) رماه الثوريون العرب اليساريون بالحجارة وتهم الخيانـه. وعندما حــرر السادات سيناء، وخــــرج بمقترحـــات عملية لاقـامة دولـة فلسطينية، قتله المتطرفون الاسلاميون.

وعندما وقع ياسر عرفات اتفاقيـة اوسلو لم يتمكن من الحصــول على ما كان يمكن ان يحصل عليه أيام شعار الحبيـب بورقيبة، ولا ما اقترح السادات تحقيقه. وبعدها سعى الى التملص من كل ذلك وادار مفاوضاته وما حصل عليـــه مـــــن الاراضي الفلسطينية باسلوب قائد (فهلوي) للثورة لا قائد للشعب والدولة. وتمكن من خسارة كل شيء بمساعدة نتنياهو ثم شارون، وبدعم من العمليات الفدائية التي استغلتها الآلة الاعلامية الاسرائيليه اسوأ استغلال.

السلاح الـذي يمكن ان يحـقـق اي شيء فـي الوقـت الحاضـر على ارض فلسطين، هو استمرار صمود الشعب الفلسطيني فى وجه التعنت الاسرائيلي، والمقاومة الشعبية الفعالة، بالاضافـة الى تعاطـف الـرأي الـعـام العالمي.. فما يكسبه الفلسطينيون، فى الوقت الحاضر، من تعاطف دولـي عبر صور التعسف الاسرائيلي وهمجيـة الآلــة العسكرية الاسرائيلية يفقـــدونه بمناظر الدماء الاسرائيلية التي تظهر على شاشات التلفزيون العالمية بشكل اكبر مما يتــــاح للمآسي الفلسطينية ان تحصل عليه.

حتى كتابة هذه السطور، فان العمليات الفدائية توقـفت او كـــادت، ولكن المطلــوب اتفاق فلسطيني على استراتيجية جديـدة تحقق للشعب الفلسطيني مـقـاومة فـعـالـة وتعاطفا عالميا يمكن تحويله الى ضغوط من الدول الممولة لاسرائيـل لتحقيق الكيــان الفلسطيني الموعود.

لقد اراح الاسرائيليون الحكام العرب من شعوبهم، فاستمرار الاضطراب فى الاراضي الفلسطينيه اتاح لهؤلاء الحكام ان يرهنوا مستقبل مواطنيهـم لعقود طويلة بحل القضية الفلسطينية، فلا تحرير للاقتصاد، ولا حرية للفكر، ولا ديمقراطية، لان السلاح والامن لهما الاولويــة فى كل شيء: التحكم بالاقتصاد وكبت الحريات والسخرية من المطالبة بالديمقراطيات.. فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة.

* كاتب ســعــودي