... في انتظار أوروبا

TT

كم تغير العالم خلال سنة، وكم تغير الشعب الاميركي المقتنع اليوم انه مهدد باستمرار. والعمليات الارهابية التي وقعت العام الماضي في نيويورك وواشنطن كانت كارثة اقدم عليها تنظيم القاعدة، ربما لن يتاح لضحايا تلك العمليات، ان يرقدوا بسلام، ولن يتاح للشعب الاميركي ان ينساهم، ليتذكرهم بهدوء كل عام.

لقد فتحت عمليات «ايلول (سبتمبر) على العالم حرباً لها وجوه متعددة. بدأت، وكان من المفروض ان تبدأ لمواجهة الارهاب الذي خطط له في افغانستان»، وصارت تضع في وجهها اهدافا اخرى، شملت الدول التي تصنع اسلحة الدمار الشامل ووصلت الى تغيير الانظمة.

لم يكن ممكنا تجنب رد فعل عسكري اميركي قوي، على عمليات ايلول (سبتمبر)، لكن الخطأ الذي انزلق اليه رد الفعل، انه قسّم العالم الى قسمين: الخير في مواجهة الشر. وهذا فتح ابواب الحرب اللانهائية على مصراعيها.

في الكلمة التي القاها الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش منهيا احتفالات الذكرى السنوية الاولى لعمليات 11 سبتمبر (ايلول)، بدا انه مصر على مواصلة «الحرب المستمرة»، وغير مستعد ان يناقش نظرته للعالم، ولم يخبئ قط تصنيفه للسياسة الدولية ما بين سياسة الخير وسياسة الشر. وكانت كلمة شبه «تحريضية» لعواطف الشعب الاميركي، ثم انها لم تتضمن اي اشارة للقانون الدولي، حيث قال: سندافع عن انفسنا، حيث هذا حق كل دولة! ولم نسمع منه ان ردود الفعل الاميركية هي جزء من اطار دولي اوسع وليس فقط ردود فعل عاطفية. في كلمته المليئة بعبارات النور والظلام، الخير والشر، رغب بوش في تحويل الحرب على الارهاب الى حملة اخرى هي الحرب على العراق.

لقد اتى خطابه بعدما توقفت الادارة عن محاولة ربط العراق بعمليات 11 ايلول (سبتمبر)، ولهذا مال طرح القضية الى ان الحرب التي بدأت ستكون ضد الديكتاتورية واسلحة الدمار الشامل. لا مجال هنا لمناقشة رغبة الولايات المتحدة في منح الشعب العراقي الديمقراطية، اذ ليس سهلا اعتماد الديمقراطية فورا، والشعب العراقي، بعاداته وتقاليده وتاريخه، غير منفتح على الديمقراطية بعد.

على كلٍ، بعد مرور سنة على 11 ايلول (سبتمبر)، لا بد من التذكير بحاجة العالم الى التوازن، اذ يجب ألا يبقى العالم واقفا على ساق واحدة حتى ولو كانت اميركية، لذلك ننتظر بروز اوروبا بجيش موحد واقتصاد قوي وتكنولوجيتها الحديثة وتاريخها العريق في الديمقراطية واحترام حقوق الانسان.

ان بروز اميركا في القرن الواحد والعشرين كالقوة العظمى الوحيدة في العالم، يعود الى ضعف اوروبا المستمر منذ الحربين الاولى والثانية وحاجتها لاحقا الى البناء، ولننظر ما حدث مؤخرا في جزيرة ليلى/البقدونس، حيث اختلفت اسبانيا وفرنسا على حلها، فكان لا بد من تدخل اميركا مع المغرب واسبانيا.

لقد ارتكبت اوروبا اخطاء كثيرة، كان بروز اميركا نتيجة ميكانيكية لها. اننا ننتقد اميركا في سياستها الخارجية، لكن ما هو البديل؟ لذلك على اوروبا ان تراجع مواقفها واخطاءها، لان الزمن العربي لم يأت بعد.