لن ينهزم «محور الشر» ما لم يكسر محور الظلم

TT

ربما لم يتوقف مصير العالم في أي يوم من الأيام على قرار يتخذه شخص واحد مثلما يتوقف الآن، فجورج بوش، هو الذي سيحسم القرار فيما يخص الهجوم على العراق أم لا. والعالم كله يحبس أنفاسه بانتظار ما سيحصل، بانتظار حسم القرار. والواقع أنه وضع نفسه في موقع حرج، فقد تسرّع بإطلاق التصريحات والتهديدات. فإذا لم ينفذّها فقد هيبته ومصداقيته، وإذا نفذها ربما حصلت كارثة لا يعرف أحد أين تتوقف تفاعلاتها وانعكاساتها. وهكذا، أصبحنا، وأصبح هو أيضاً، سجناء قرار لم يتخذ بعد!..

وقد ارتفعت مؤخراً عدة أصوات أميركية مهمة تنبّه إلى خطورة التطورات الراهنة، وتحذر الرئيس الأميركي من مغبّة المغامرة في المجهول. فزبينيو بيرزنسكي، يعتقد أن هناك عدة قادة عالميين يهيّجون الرئيس بوش على الإسلام والمسلمين. نذكر من بينهم بوتين الروسي، الذي ينتهز الفرصة لتصفية حساباته مع الشيشان، وشارون الإسرائيلي، الذي ينتهز الفرصة الذهبية لقمع الفلسطينيين أكثر فأكثر، وفاجبايي الهندي، الذي لا يقلّ أصولية هندوسية عن الأصوليين الإسلاميين، الذين يحاربهم في كشمير، وحتى جيانغ زيمين الصيني، الذي يريد قمع الاقاليم الإسلامية لديه.. كلهم لهم مصلحة في توريط بوش في حرب شعواء لا تُبقي ولا تذر. وتكون نتيجتها تكثيف كل حقد المسلمين والعرب على أميركا ونسيان هؤلاء الذين يكونون قد وصلوا إلى أغراضهم بدون أن يدفعوا ثمناً يذكر.

ويرى بيرزنسكي أن شارون لا يهيّج فقط الإدارة الأميركية على العراق، وإنما ينظر أيضاً بعين الرضا والغبطة إلى التدهور الحاصل في العلاقات بينها وبين المملكة العربية السعودية.. وربما لم يشكر أحد أسامة بن لادن مثلما يشكره شارون الآن. فقد أنقذه من ورطته، وصرف الأنظار عنه، وفتح له آفاق المستقبل واسعة شاسعة، بل جعله يبدو وكأنه شخص معتدل أو حتى عقلاني في السياسة!

صحيح أن بيرزنسكي يعترف للرئيس جورج بوش بفضيلة التمييز بين الإسلام والإرهاب منذ البداية، لكن ليس كل طاقم إدارته يفعل الشيء نفسه. فالفكرة التي أشاعوها في الغرب كله، هي أن الثقافة الإسلامية تحبّذ الإرهاب بطبيعتها وجوهرها. وهكذا، تناسوا المشاكل السياسية الحقيقية التي تقف خلف الإرهاب أو تغذّيه بشكل مباشر أو غير مباشر. لقد قدموا صورة تجريدية عن الإرهاب إلى درجة اننا تخيلناه بدون جذور أو أسباب! لكن ينبغي الاعتراف بأن هناك مشكلة سياسية في فلسطين وكشمير والشيشان، وغير ذلك.. وليس من مصلحة أميركا طمس هذه المشاكل كما يرغب شارون، أو فاجبايي، أو بوتين، أو سواهم.. لا ريب في أنه ينبغي ضرب الإرهاب واستئصاله، يقول بيرزنسكي. ولكن ينبغي ايضا على أكبر قوة في العالم، أن تعالج الأسباب التي تدفع إليه.

وأما جيمس بيكر، وزير خارجية بوش الأب، فقد انضمّ إلى بيرزنسكي وحذّر بوش الابن من مغبّة مهاجمة العراق قبل تنفيذ سياسة متوازنة في الشرق الأوسط. فحل المشكلة الفلسطينية ينبغي أن يسبق حل المشكلة العراقية. ويرى هذا الرجل العاقل والحكيم أنه ما عاد بإمكاننا ان نطالب الفلسطينيين بإيقاف أعمال العنف قبل أن نطالب الإسرائيليين بإخلاء المستوطنات والمستعمرات. فعودة الأراضي إلى أصحابها الحقيقيين هي الشرط الذي لا بد منه لكي نحول جزءاً من المناضلين الفلسطينيين إلى شركاء في الحرب على الإرهاب.. ودولة فلسطين، إذا ما قامت سوف تعيد التوازن إلى كل منطقة الشرق الأوسط، وسوف يكون الشعب الإسرائيلي أول المستفيدين..

أما بنيامين باربير، المستشار السابق لبيل كلينتون، والاستاذ في جامعة ماريلاند، فهو صاحب الكتاب الشهير الذي ترجم مؤخراً إلى الفرنسية تحت عنوان: «الجهاد الإسلامي ضد العولمة الأميركية»، وهو ايضا يأخذ على إدارة بوش، أو قسم منها، ضيق نظرها، فهي تريد أن تتصرف بالقرار لوحدها، وأن تفرض إرادتها بالقوة على العالم، وأن تتجاهل النظام القانوني والمدني الدولي الذي كان في طور التشكل والانبثاق. وهذا شيء خطير، ويضر بمصالح أميركا على المدى البعيد، إن لم يكن القريب.

ويرى هذا الباحث أن علينا محاربة المناخ العام الذي ينتعش فيه الإرهاب أو يفرّخه تفريخاً بالضرورة، ويقصد بذلك هيمنة الغرب على الشرق، ثم الطابع المادي والدنيوي بل وحتى العدواني للحضارة الغربية. فهذه الحضارة أدّت إلى زعزعة استقرار البلدان النامية، وحتى محاولة الغرب لنشر الفكرة الديمقراطية في العالم، بدت لهذه البلدان وكأنها تغريب أو هيمنة ثقافية. وبالتالي فلم تقتنع بها، وأوجست منها خيفة. فالديمقراطية لا تُفرض على الآخرين من الخارج فرضاً، وإنما ينبغي أن تنمو من الداخل وبشكل طبيعي، يضاف الى ذلك ان الاوضاع الاقتصادية تدهورت كثيراً مؤخراً في حوالي خمسين دولة. وهذا الفقر المدقع، في ظل العولمة الأميركية الشبعانة إلى حد البطر، يشكل الارضية الخصبة لتغذية الظاهرة الإرهابية، وبالتالي فلا يكفي أن نرفع شعار محاربة الإرهاب، وإنما ينبغي ايضا ان نرفع شعار محاربة أسباب الإرهاب..

ويرى البروفيسور بنيامين باربير ان أميركا لن تربح معركتها ضد الارهاب، إلا إذا تعاونت مع بقية دول العالم، وكفّت عن الانفراد بالرأي والتفرّد بالقرار. ينبغي عليها أن تشجع على تشكيل عقد اجتماعي جديد على مستوى العالم كله من أجل مواجهة الإرهابيين في كل مكان في العالم. وينبغي على بوش أن يعرف الحقيقة التالية: ان اطعام فقراء العالم وتربيتهم وتثقيفهم وهم أطفال، أسهل علينا من ملاحقتهم كإرهابيين بعد أن يكبروا.. كما أنه أقل تكلفة. فلكي نقضي على التطرف الديني ينبغي أن نساعد العالم الإسلامي على النجاح في تنميته الاقتصادية وتقليص شرائح الفقر وجيوش العاطلين عن العمل.

ثم يختتم بنيامين باربير كلامه قائلا: ينبغي على الرئيس بوش أن يعلم أن محور الشر لن يُهزم إلا إذا كُسر محور الظلم والقهر في العالم! ولن تنجح أميركا في مهمتها، إلا إذا شبعت الشعوب الجائعة وانتصرت الديمقراطية في كل مكان.

أما الرئيس السابق بيل كلينتون، فهو أيضاً أدلى بدلوه ووزع النصائح على خلفه العظيم جورج بوش! فقد نصحه بإيقاف برنامج كوريا الشمالية الهادف إلى صناعة الصواريخ النووية. ونصحه بالقضاء على تنظيم «القاعدة» في افغانستان قبل أي شيء آخر. ونصحه بحل مشكلة الشرق الاوسط قبل الاهتمام بالعراق، لأن جيش صدام أصبح اضعف بكثير مما كان عليه في السابق، وان كانت مخابره التي تصنع الأسلحة البيولوجية والكيميائية لا تزال شغّالة. ونصحه بالتوقيع على اتفاقية كيوتو من أجل حماية البيئة، وبزيادة المعونة للدول النامية لكي ترتفع من عشرة مليارات دولار إلى خمسة عشر مليار دولار. فهناك مائة مليون طفل في الدول النامية ممن لا يذهبون إلى المدرسة بسبب الفقر، وينبغي على أميركا أن تفعل شيئاً من أجلهم. ثم توقف كلينتون مطولاً عند معركة الافكار، ونفهم من كلامه بأنها لا تقل أهمية عن المعارك العسكرية، فما الذي يقصده بهذا المصطلح؟

انه يرى أن هناك مشكلة كبيرة في العالم الإسلامي، وهي ان الاصوليين شوهوا الدين وحرفوه عن مقاصده، واستغلوه لغايات ما أنزل الله بها من سلطان. وبالتالي فينبغي إيقافهم عند حدهم ليس فقط عن طريق معركة السلاح، إنما ايضا عن طريق معركة الفكر، فالأصولي يركز على الهوية الخصوصية الى درجة كره الآخر ونبذه، بل وحتى تصفيته إذا أمكن. ونحن ينبغي أن نركز على الانفتاح لا الانغلاق، وعلى الجنسية البشرية التي تجمع بيننا، بالرغم من اختلاف أدياننا وقومياتنا ولغاتنا. والأصولي يعتقد بأنه يمتلك الحقيقة سلفاً وبشكل جاهز. ونحن نعتقد أن الحياة البشرية كلها ليست إلا مساراً طويلاً نحو الحقيقة، وينبغي أن نساهم فيه جميعنا.