أين موقع العراق في الحرب على الإرهاب؟

TT

لا يمكن اثارة اي جدل حول خطاب الرئيس بوش بخصوص العراق الذي قدمه اول من امس. ان صدام حسين كذاب مزمن، ويهدد السلام. ولقد استخدم الاسلحة الكيماوية ويتطلع الى اثارة اهتمام العالم العربي ببناء قنبلة نووية يمكن اطلاقها.

وقد قدم الرئيس وجهة نظر قوية في ما يتعلق بإجراءات دولية يمكن، اما ان تؤدي الى تنفيذ العراق لالتزاماته او اقامة حكومة جديدة وديمقراطية في بغداد. ولا بد من دعم من الحزبين لمثل هذه السياسة هنا في الولايات المتحدة، وقد اختار الرئيس بحكمة ان يسعى للحصول على دعم عالمي بدلا من القيام بذلك بطريقة انفرادية.

الا انني آمل، الا يتمكن المستشارون المتشددون من دفع الرئيس نحو جدول زمني غير حكيم لعمل عسكري. يجب علينا ان ندخل هذه المعركة في لحظة تناسب مصالحنا. وفي الوقت الراهن، فإن مصالحنا الاساسية تبقى التدمير الشامل للقاعدة والشبكات الارهابية المرتبطة بها.

وفي اوائل الاسبوع الماضي، نشر المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ملخصا للقدرات العسكرية العراقية استبقت خطاب الرئيس امام الجمعية العامة. فمن المرجح ان لدى العراق كميات هامة من الاسلحة البيولوجية وكمية من الذخائر الكيماوية، ويسعى للحصول على او تطوير اسلحة نووية، ولكن لا يوجد دليل على انه نجح، وربما كان لديه عشرات من الصواريخ التي يمكن استخدامها لتهديد الدول القريبة.

ان صدام حسين عدو نعرفه. فمنذ ادارة الرئيس جورج بوش الاب، كلما ضغط تراجعنا. واليوم فإن الطائرات الاميركية والبريطانية تفرض منطقة حظر الطيران فوق 40 % من مساحة العراق، كما تمنع القوات البحرية من وصول الاسلحة للعراق عن طريق البحر. ان قوات صدام حسين اضعف بكثير مما كانت عليه قبل عقد من الزمن ويجب عليه ان يعي انه اذا ما حاول مرة اخرى مهاجمة دولة اخرى فسيتم القضاء عليه تماما. كل ذلك مبرر للهدوء ولكن ليس للشعور بالرضا.

لقد ذكر الرئيس انه راغب في العمل مع مجلس الامن. وامل ان يشمل ذلك دعوة صريحة بعودة مفتشي الاسلحة الى العراق، وإن كنت اشك ان العراق سيقبل ذلك. ان الترويج لمثل هذا البديل اولا، سيعني ان الادارة ستدعم القضية الدبلوماسية في ما يتعلق بالتحركات التالية. وكما اشار الرئيس فإن العراق، خلال العقد الماضي، فشل في الالتزام بالعديد من قرارات مجلس الامن. واذا صممت بغداد على تحديها، فإن الرئيس قد وضع الكرة في ملعب الذين يعارضون استخدام القوة لكي يوضحوا كيف يمكن ضمان الالتزام. لا يمكن للمرء التصميم على الدور المركزي للمجلس في الترويج للامن والقانون الدوليين، ثم يغض الطرف عندما يتم تحدي ارادة المجلس مرارا وتكرارا.

وبالرغم من ان خطاب الرئيس كان مقنعا في عديد من الجوانب، الا انه لم يكن محددا ولا ملحا في جهوده للربط بين صدام حسين والتهديدات العاجلة.

عقب وقوع المأساة قبل عام، قال بوش للاميركيين ان مكافحة الارهاب ستكون «محط تركيز رئاسته»، وهذا ما يزال هو الهدف الصحيح، وليس العراق.

خلال السنوات الاربع السابقة هاجمت «القاعدة» مواطنين اميركيين داخل وخارج الولايات المتحدة، في افريقيا والشرق الاوسط. ولا نزال لا نعرف اين يختبئ قادة شبكة «القاعدة» ولا نعرف ما يخططون له، فضلا عن ان هناك أدلة على ان اعضاء الشبكة بصدد العودة الى افغانستان حيث يوجد الآلاف من مؤيدي طالبان، فيما لم توفر الولايات المتحدة لحكومة كرزاي حتى الآن ولو جزءا ضئيلا من المساعدات التي تحتاجها لجعل افغانستان منطقة خالية من الارهاب. ان تأسيس ائتلاف فاعل مناوئ للارهاب لا يزال عملا مستمرا، كما ان إعادة هيكلة اجهزة الاستخبارات الاميركية والاجهزة الامنية والعسكرية لدحر خطر الارهاب لا تزال في مرحلة التخطيط والتصميم.

من الواضح اننا لا نستطيع الانتظار حتى القضاء التام على الارهاب لكي نبدأ في التعامل مع صدام حسين، ولكن ليس من المنطقي الآن تركيز اهتمام العالم واجهزتنا العسكرية والامنية ومواردنا الدبلوماسية والمالية على خطة لغزو العراق بدلا من نسف خطط شبكة «القاعدة» لقتل الابرياء، إذ ليس بوسعنا الدخول في نزاع جديد قبل الخروج من سابقه.

يجب على الادارة الاميركية ان توفر الوقت اللازم لتوسيع دائرة تأييد سياستها ازاء العراق والرد على استفسارات الكونغرس وتعزيز مجموعات المعارضة العراقية وتنسيق التخطيط العسكري وتطوير برنامج عمل منسق لمرحلة ما بعد سقوط صدام حسين وتحديد الموارد الضخمة اللازمة لتمويل الحرب وما بعدها واتباع نهج دبلوماسي يهدف الى تهدئة التوتر في الشرق الاوسط. اذا طرد العراق مفتشي الامم المتحدة مرة اخرى، يجب علينا ان نعلن ان الولايات المتحدة ستدمر دون اخطار مسبق أي منشآت في العراق نشك في انها تستخدم لتطوير الاسلحة المحرمة. وحتى اذا ثبت ان هذه الشكوك غير صحيحة في ما بعد، فإن المسؤولية يجب ان توجه الى العراق وليس الى الولايات المتحدة بسبب محاولتها تطبيق ارادة مجلس الامن.. وبنفس القدر، يجب ان نعلن بوضوح ان أي جهة تساعد في تطوير برنامج العراق النووي ستعتبر عدوا للولايات المتحدة.

الرئيس بوش بدأ امام الامم المتحدة (اول من امس) مهمة تحديد سياستنا تجاه العراق ودوافعها، إلا ان اختبار هذه السياسة سيتوقف على التوقيت الذي سيختاره للتنفيذ.

* وزيرة الخارجية الاميركية السابقة

(خطبة الرئيس لينكولن عام 1863 التي القاها في غيتسبرغ بعد هزيمة الجنوبيين وتعتبر دعوة للصلح بين الطرفين في الحرب الاهلية الاميركية)