بنادق سبتمبر

TT

القى الرئيس بوش يوم الخميس الماضي كلمة بليغة، وتقدم بمناشدة قوية، رغم انها متأخرة، لمنظمة الامم المتحدة بمساءلة صدام حسين.

لكن هناك مشكلة، فالرئيس بوش لم يشر الى أي دليل على وجود خطر حالي، ولا حتى ما يشير الى ان غزو العراق اليوم بات اكثر اهمية من غزوه عام 2000 على سبيل المثال. عندما كان مرشحا للانتخابات تحدث بوش عن صدام حسين، لكنه لم يطرح لناخبيه أي خطط لغزو العراق.

وعلى مدى اشهر عدة جرت تلميحات حول المعلومات التي جمعتها الادارة الاميركية عن خطر يشكله العراق وعن علاقته بالارهاب. لذا فالحديث مجددا، عن وحشية صدام حسين وعن تعذيبه للاطفال امام اعين ذويهم يعد نوعا من التضخيم، وكله صحيح، كما كان عليه قبل عشر سنوات.

والآن لنعقد مقارنة بين حديث بوش وحديث آخر جرى في نفس المنبر قبل حوالي اربعين عاما. ففي 25 اكتوبر (تشرين الاول) 1962 خلال ازمة الصواريخ الكوبية، ادان السفير آدلاي ستيفنسون مواقع الصواريخ الجديدة الروسية في كوبا. الكوبيون والروس انكروا من جانبهم وجود أية صواريخ، وأكد الجانبان ان الأمر برمته لا يعدو كونه مجرد اكاذيب، بيد ان ستيفنسون عرض صورا فوتوغرافية للصورايخ الكوبية. ولكن أين الدليل المشابه اليوم؟

إدارة بوش هي التي عقدت مقارنة بين الوضع الراهن وأزمة الصواريخ، وأشارت الى ان كينيدي درس خيار توجيه ضربات وقائية. ولكن ثمة اختلافات كثيرة، فقد استخدم كينيدي منبر الامم المتحدة لتقديم دليل دامغ لا جدال حوله يتعلق بالخطر الجديد الذي كان يتهدد الولايات المتحدة، فضلا عن انه لم يلجأ الى خيار غزو كوبا، وإنما الى حصار بحري ايده المجتمع الدولي.

كان كينيدي واعيا بعمق الى احتمال ان تنزلق الحرب خارج نطاق السيطرة، كما انه قرأ خلال الازمة كتاب باربرة توشمان (بنادق اغسطس) «Guns of August». ويتذكر سورنسون، الذي كان مساعدا لكينيدي خلال الازمة، ان كينيدي ابلغ مساعديه بأنه لا يريد لاجيال المستقبل ان تتساءل عن كيفية تحول ازمة الصواريخ الى حرب، ثم لا تجد اجابة.

وفي خطابه يوم الخميس اظهر الرئيس الاميركي تشددا وتصميما بل وحتى بلاغة، ولكنه لم يظهر الصفات الاخرى للزعامة: التواضع حيال مخاطر اجراء حسابات خاطئة، والصبر لتجنب الحرب.

ولاحظ غراهام اليسون الاستاذ في جامعة هارفرد، الذي وضع كتابا حول ازمة الصواريخ في الستينات، ان الرئيس الراحل كينيدي اوضح، بما لا يدع مجالا للشك، انه تجب ازالة الصواريخ من كوبا، الا أن كينيدي لجأ اولا الى الدبلوماسية والحصار. وعرض على الروس مخرجا كريما وبالتالي انقذ ارواحا وتجنب اخطار الوقوع في دوامة المجهول.

واليوم ايضا، لماذا لا تكون الحرب هي الملاذ الاخير بدلا من الاداة الاولى التي يمسك بها بوش؟

يضيف اليسون: «ان السؤال الرئيسي لم يجب عليه: لماذا شن الحرب ضد صدام افضل من الخيار الآخر، اي ردعه واحتوائه؟». واوضح «يمكننا الاتفاق على انه شخص شرير ـ وهو شرير بالفعل ـ يتحدى قرارات الامم المتحدة ـ وفعل ذلك بالفعل ـ ولا يزال يسأل لماذا لا يعامل بنفس الطريقة التي كانت تستخدم ضد ستالين، الذي كان شريرا وخطرا وغشاشا».

لقد اختارت سلسلة من الرؤساء ردع واحتواء ستالين ـ بدلا من غزو واحتلال روسيا ـ مثلما اختار كل رئيس حتى الان ردع واحتواء صدام.

قبل شن الحرب، يحتاج بوش الى اظهار امرين: الاول، ان التهديد خطير وعاجل للغاية لدرجة ان ترك صدام اخطر من غزو بلاده واحتلالها لسنوات قادمة، وثانيا ان الردع لن ينجح في احتواء صدام.

كيف كان كينيدي سيتعامل مع هذه القضية؟

وقال سورنسون «بإعتباره مؤمنا بالامم المتحدة: كان، اي كينيدي، قد بذل كل ما في وسعه من استخدام العضلات الاميركية لدخول المفتشين الى العراق». هذا هو مفهوم كينيدي: تفتيش دولي مدعوم بالتهديد باستخدام القوة كملجأ اخير.

ولسوء الحظ، ما لم نسمعه من بوش هو ما يبرر التمسك بمسار وحيد، يبدو انه مصمم عليه: «حرب مباشرة».

* خدمة «نيويورك تايمز»