قاعدة «العديد» ليست المشكلة

TT

ظهر ارتباك واضح في قطر حول كيفية الاقرار بالوجود العسكري الاميركي وبوجود قاعدة اميركية ضخمة اسمها «العديد» في العزيزة قطر. وفي رأيي وجود القاعدة ليس المشكلة، لكن المشكلة انكارها وانكار طبيعتها. فالمنطقة العربية عرفت اصنافا مختلفة من القواعد وأشباه القواعد واتفاقات عسكرية احيانا اكثر كرما في مد العون للقوى الاخرى من القواعد. ايضا ليس لنا حق ان نخطئ قطر في ان تكون الدولة القاعدة للقوات الاميركية اذا كان صانع القرار القطري يرى ان مصلحة بلاده تتطلب ذلك. فمنطقتنا، على مدى عقود متعاقبة، شهدت الكثير من الحضور العسكري ومعظمه أملاه، بكل اسف، التنازع العربي والشرق اوسطي وكان من صنع ايدينا، مثل غزو الكويت وقبله الحرب بين العراق وايران وقبله التنافس بين دول المنطقة المنتسبة للمعسكرين الاميركي والسوفياتي ورسوخ منظمات الارهاب المدعومة اقليميا منذ الستينات.

إذاً تحول قطر الى مركز ادارة الحرب ضد العراق نتيجة طبيعية في ظل عزم الولايات المتحدة استخدام امكانياتها لكسب المعركة، فهي عندما انفقت ثلاثة مليارات دولار على بناء قاعدة «العديد» لم تبنها لأغراض سياحية او رياضية بل لأغراض الحرب، واليوم يومها، كما يعرف الساسة في قطر.

أولى ملاحظاتي على ما يحدث هي انضمام قطر الى مجموعة الدول التي تدعي ما هو غير صحيح، اي نفي وجود قاعدة هي من الضخامة بما لا يمكن لعاقل ان ينفيه، ونفي استخدامها لضرب العراق، وهو امر اكده الاميركيون بالتفاصيل ايضا. والملاحظة الثانية تتعلق بكون قطر تتميز بوسيلة اعلامية، مماثلة في اهميتها اهمية قاعدة «العديد». وعندما أسست «الجزيرة» كانت قطر ومحطتها في وضع آمن سياسيا على مستوى نقد المنطقة، وان كانت لها مشاكلها الداخلية التي كانت تبرر تجاهلها بأنها قضايا لا تهم المشاهد العربي. لكن بعد فتح المكتب الاسرائيلي صار المكان يعج بالتناقضات، مثل تناقض وجود داعية متحمس ضد التعامل مع اسرائيل كالشيخ القرضاوي، وآخر مستعد للعلاقة مع اسرائيل كالشيخ حمد بن جاسم. واصبح الحرج اعظم بعد تنامي انباء بناء قاعدة اميركية عملاقة وتنامي التكذيب الرسمي لها، لكن كما يعرف الجميع فالاميركيون من مزاياهم الحسنة، او السيئة، انهم قوم لا يحفظون السر، فهم فضيحة متنقلة. ايضا لا يمكن لدولة صغيرة ان تخفي قاعدة ضخمة الا بمثل قدرة احدنا على اخفاء فيل في غرفة.

والمشكلة، حقيقة، ليست القاعدة ولا مهامها العسكرية في الحرب ضد العراق، لان الاميركيين قادرون على الانطلاق من البحر لو اضطروا الى ذلك. وقطر ليست الدولة المتعاونة الوحيدة فهذه القوات ستمر من اراض عربية ومن قنوات بحرية عربية ومن اجواء عربية، وبالتالي لا يصح لوم قطر وحدها، انما اللوم هو تحول قطر الى مثل بعض دول عربية اخرى تكذب ما لا يعقل تكذيبه، وتقدم روايات خرافية ثم تدير محطة تقول انها أم الحقائق. هذا ما وقع فيه وزير الخارجية القطري الذي تعجل في بغداد فنفى كل الرواية رغم وضوح صور الاقمار الصناعية التي نشرناها وكثرة المعلومات في السوق حتى لم يعد هناك شك بعد الاعلان الصريح من قبل القيادة العسكرية الاميركية عن تحركاتها باتجاه مركزها في قطر استعدادا للحرب، مما حتم على الدوحة ان تتراجع وتعترف جزئيا بالحقيقة.

واعتقد ان المسؤولين في قطر خالفوا اسلوبهم السابق، أي الاعتراف بسرعة بما يحدث، مثل مسارعتهم لاعلان لقاءاتهم مع المسؤولين الاسرائيليين بأنفسهم فاجهضوا بذلك فرصة التشهير بهم. هذه المرة تأخروا في نفي وجود فيل كبير اسمه القاعدة والاصرار على تكذيب دورها في قيادة الحرب المقبلة. فلماذا هذا الارتباك في موضوع شن الحرب على العراق؟