يا له من مشهد

TT

السلطة الفلسطينية بلا حكومة. ومجلسها التشريعي مشتت. والمجلس الوطني الذي كان يضم جميع الوجوه التاريخية والمستقبلية اصبح يضم كل من يشاء الانضمام. ومنظمة التحرير التي بقيت عالقة لا طالقة، لم يعد من اسماء كوكبتها سوى القليل. والاكثر خطورة من كل امر آخر ان «فتح» منقسمة على نفسها. والاكثر خطورة من الاكثر خطورة ان الفصائل الاخرى التي كانت تقبل قيادة «فتح» وترضخ لحجمها وتعترف بأقدميتها في عالم النضال، اصبحت بعيدة او متباعدة او مستبعدة.

وهذا المشهد العام ليس مطمئنا ولا مريحا ولا واعدا. ليس عندما يكون في الجانب الآخر ارييل شارون وقفته شمعون بيريز. وليس عندما يكون اطول الائتلافات الاسرائيلية عمرا في ظل شارون وشاس. وليس عندما يكون في البيت الأبيض جورج بوش وديك تشيني، وليس خصوصا عندما يكون العالم العربي غارقا في بحر من الهموم، ضائع الاولويات، ولا يعرف ان كان باب الخراب الاكبر سوف يفتح في فلسطين او في العراق.

للمرة الأولى يبدو الرئيس ياسر عرفات الرجل الاقوى بلا منافس. لكن الرجل الاقوى لا ينفعه أن كل ما ومن حوله ضعيف. ولا يفيده ان رجاله يتصارخون فيما الدولة نفسها ابعد مطالاً مما كانت في أي وقت.

ويضر في صورته التاريخية ما يتطاير في اجواء غزة من تهم بالفساد والمحسوبية، ومن تدافع على المناصب والكراسي والالقاب. وهذه ليست ديمقراطية كما يقول احد مستشاري الرئيس الفلسطيني. هذا تعب المحاربين. وهذا خلل في جسم السلطة التي يهتز هيكلها امام العالم اجمع. وهذه نتيجة طبيعية لاستبعاد الكفاءات والقيم الفلسطينية التي بقيت في الخارج تنتظر ان تدعى الى المساهمة في اعادة بناء فلسطين.

لا بد ان الجو في غزة اليوم هو مناخ تقاتل على حقائب الحكومة الجديدة بين أعضاء المجلس الشريعي. وهذا يحدث في كل مكان او أي دولة لا تمثل فيها القوى السياسية على وجه صحيح. وفي طليعتها لبنان. والمخرج الامثل في هذه الحال امام الرئيس الفلسطيني هو المخرج التقليدي المعمول به في مثل هذه الحالات: تشكيل حكومة من خارج البرلمان. ولكن ليس فقط من اجل تجنب الصراخ والغضب الفردي وتحويله الى غضب عام. بل من اجل ان يقدم أبو عمار للعالم، وثمانية ملايين فلسطيني خائف وقلق وحزين ومخيب الآمال والاحلام والطموحات والرهانات، صورة حقيقية عن ما يمثله الفلسطينيون. ومن اجل ان يؤكد، في هذه المرحلة الفارقة بالذات، انه تحمل طوال نصف قرن من اجل هدف واحد ورسالة واحدة هي فلسطين. ومسؤولية أبو عمار اليوم، ليست فقط امام شعبه، بل ايضا امام الشعب العربي وامام شعوب العالم. فالمعركة ليست معركة سياسية في غزة بل هي صراع عميق على مدى فلسطين والعالم العربي.

حكومة اتحاد وطني من الخارج، تلمع فيها اسماء الفلسطينيين الكبار، وتمثل الفلسطينيين في كل مكان وكل ارض وخصوصا في ارضهم. حكومة تعيد اسماء الشخصيات الكبرى من المنافي وتعيد اسماء الهامات الكبرى والموحية بالثقة والطمأنينة والتجرد والغايات الكبرى لا الصغيرة. انها ليست لحظة ازمة في غزة بل لحظة تاريخية لا يستطيع احد القبض عليها سوى صاحبها.