النداء الأخير

TT

كما يحدث في المطارات عندما يعلنون النداء الأخير لركاب الطائرة، ثم يغلقون الأبواب وتطير الطائرة، يبدو الوضع في الأزمة العراقية قريباً من ذلك المشهد.

ويبدو ايضا ان القيادة العراقية ستمارس فن اضاعة الفرص مرة اخرى وستمارس عنادها المعتاد حتى يقع الفاس في الرأس وتغلق الأبواب وتطير الطائرة.

الدبلوماسيون العراقيون يتحدثون بلغة الحرب، فماذا نتوقع ان نسمع من العسكريين في بغداد؟ فمندوب العراق في الامم المتحدة يمارس التصعيد السياسي ضد اميركا بدلا من التهدئة وينعت الرئيس بوش بالكذاب. ووزير الخارجية العراقي الذي يفترض ان تكون مهمته نزع فتيل الأزمة يتحدث عن استعداد العراقيين للموت حتى آخر رجل.

ربما يكون الرئيس بوش كذابا، لكنه يمتلك قدرة هائلة على الحركة السياسية، ويملك قوة نار عملاقة ولا يمكن للعراق مواجهتها، والمسألة ليست مسألة اخلاقية تتعلق بالكذب او قول الحقيقة، ولكنها مسألة واقعية تتعلق بموازين قوة مختلة بشكل حاسم في أية مواجهة محتملة.

مخطئ من يراهن على موقف الدول دائمة العضوية في الامم المتحدة، فدولة مثل فرنسا ترتبط مصلحتها بشكل مباشر بالولايات المتحدة، وليست مستعدة للتضحية بمصالحها من اجل بغداد، بل ان وصف الرئيس الفرنسي لصدام حسين بالدكتاتور، وحديثه عن الرغبة في تحرير العراقيين من الدكتاتورية هما رسالة واضحة ومباشرة لمن يريد ان يقرأ، والصين لديها من المصالح المعقدة والمتشابكة مع اميركا الكثير، وهي يمكن ان تشاكس ولكنها في النهاية لن تخرج عن بيت الطاعة، والروس سيفعلون ما فعلوه قبل اثنتي عشرة سنة مع العراق، سيترددون، ثم ينصحون، ثم يتبرأون من حكومة بغداد.

والحقيقة التي يجب ان نتعامل معها سواء احببناها أم كرهناها هي ان اميركا لن تشاور أحدا، وان استخدام القوة بات امراً وشيكاً اذا لم تنتبه القيادة العراقية الى النداء الأخير وتذعن للقرارات الدولية وتسمح لفرق التفتيش قبل فوات الأوان، والحقيقة التي يجب ان نتعامل معها هي ان قضية استعداد العراقيين للموت حتى آخر رجل كما يقول وزير خارجية العراق هو كلام يطير في الهواء، واستهلاك يعرف من يقوله ومن يسمعه انه لا يعبر عن حقيقة، فقد مات من العراقيين ما يكفي في حروب عدمية، وان العراقيين ربما يتصرفون على عكس ما يقول وزير خارجية بغداد بعد ان طال انتظارهم، والمهم هو ان احداً لا بد ان يصغي الى النداء الأخير، ان كان ثمة فرصة.