العلاقات الأميركية ـ السورية والحرب على العراق

TT

على وقع طبول الحرب الاميركية ضد العراق، يخيل للمرء ان الشرق الاوسط يقف على اعتاب مخططات كبيرة وشاملة تستهدف المنطقة بأسرها، وان الاجتياح الاميركي للعراق يرتب تداعيات كبيرة وخطيرة ليس على مستوى المنطقة فحسب بل على مستوى العالم ايضا.

وعلى الرغم مما يخطط للمنطقة من مشاريع في الكواليس الدولية، لا تزال معالم السياسة الاميركية تجاه سوريا تشكل مؤشرا لما يمكن ان يحصل. فمنذ رحيل ادارة بيل كلينتون ومجيء ادارة جورج بوش قبل ما يزيد على عام، لم تتبلور اي سياسة اميركية محددة وواضحة حيال سوريا ان في الشكل وان في المضمون.

حتى مشروع المؤتمر الدولي الذي نادى به وزير الخارجية الاميركي كولن باول والذي كتبنا منذ البداية انه لن ينعقد، لم يسجل اي مؤشر يدل على طبيعة العلاقات الجديدة بين دمشق وواشنطن. واغلب الظن ان واشنطن لا تملك سياسة اميركية واضحة تجاه سوريا، مما يعني انها لا تملك سياسة اميركية واضحة تجاه الصراع العربي ـ الاسرائيلي باستثناء الانحياز الاعمى لاسرائيل.

لا ريب ان الديبلوماسية الاميركية تحاول راهنا تجميد أو التخفيف من هذه الازمات التي تنجم عن الصراع العربي ـ الاسرائيلي ليتسنى لواشنطن التفرغ لأزمة العراق. ويسود الاعتقاد بأن الادارة الاميركية لن تتورط في تسوية الصراع العربي ـ الاسرائيلي قبل ان تنتهي من تسوية الوضع على جبهة العراق.

ومما لا ريب فيه ايضا ان ازمة العراق تحتل موقع الصدارة في اهتمامات ادارة جورج بوش. وما يقلق سوريا هو مستقبل العراق بعد الضربة الاميركية في ضوء المعلومات الواردة من واشنطن والتي توحي بأن الدوائر الاميركية تعد لأكثر من سيناريو للعراق وللشرق الاوسط بعد ضرب العراق.

الامر الاكيد لتاريخه ان نجاح الاجتياح الاميركي للعراق قد ينشئ فيه نظاما سياسيا مواليا للولايات المتحدة، ويؤدي الى حضور عسكري اميركي دائم على ارضه. وهذا الوضع يخرج العراق بعد مصر والاردن من معادلة الصراع العربي ـ الاسرائيلي، ويسمح لاسرائيل بالتسلل الى العراق كما نجحت في التسلل الى تركيا.

وبمجرد إبعاد العراق عن ساحة الصراع العربي ـ الاسرائيلي، فإن الضغوط مرشحة لأن تتصاعد ضد ايران وسوريا وفق ما تقدمه اسرائيل للبيت الابيض من منظومات فكرية واستراتيجية.

ومن الجدير ذكره ان الادارة الاميركية أصدرت حيال ايران «قانون داماتو» وقد التزمت به الادارات الاميركية المتعاقبة. ويجهد البعض داخل الكونغرس الاميركي على اصدار «قانون محاسبة سوريا» المطروح على التصويت خلال الشهر الحالي. ويبدو ان ادارة جورج بوش تحاول ان تثني الكونغرس عن التصويت عليه بقصد عدم استثارة سوريا عشية التحضيرات العسكرية لاجتياح العراق. ومع ذلك فإن مشروع القانون يضيف تعقيدات جديدة على العلاقات الاميركية ـ السورية ويزيدها حرجا.

وتتسم العلاقات الاميركية ـ السورية اكثر فأكثر بعدم الوضوح لجهة التناقضات المعلنة بين موقفي الكونغرس والبيت الابيض، لكن ذلك لا يعني انهما قد لا يتفقان في المستقبل على تصعيد الحملة على سوريا بفعل تأثير اللوبي الصهيوني على صناعة القرار الاميركي.

صحيح ان ادارة جورج بوش لا تريد اثارة حفيظة سوريا عشية الاجتياح الاميركي للعراق، لكنها لا تتورع عن ممارسة الضغوط عليها، وقد بدأتها بالفعل، والرسالة وصلت وقرأتها دمشق مثلما قرأتها طهران وفيها انه يترتب عليهما منع حزب الله من توتير الوضع على الحدود الشمالية لاسرائيل عشية الحملة الاميركية ضد العراق وخلالها وبعدها.

والى لبنان وصلت رسالة ثانية من ارييل شارون في شأن المياه. فقد استغل رئيس حكومة اسرائيل استكمال لبنان لمشاريعه المائية على نهر الحاصباني، فرفع وتيرة الضغوط العسكرية عليه بحجة انه يريد الحفاظ على حصة اسرائيل من مياه الحاصباني، فيما هو يريد ان يواكب الحرب الاميركية على العراق بضغوط عسكرية على سوريا ولبنان وايران وحزب الله.

وما يخطط له ارييل شارون ضد لبنان وسوريا، يحاذر جورج بوش في الظاهر التورط فيه، وهو يكتفي بما تمارسه ادارته من ضغوط على سوريا في هذه المرحلة لكنه يتجنب اثارتها او استفزازها بصورة مباشرة وشخصية.

ولا بد لنا من ان نتساءل اين الجدوى من انجرار بعض القادة المسيحيين الى معركة ضد سوريا واين الحكمة فيها، على غرار ما يفعل علنا العماد ميشال عون، وما يفعله البعض الآخر سرا؟

ان سوريا تتقن فن لعب اوراقها مع واشنطن، ولطالما نجحت في التفاهم معها، على الرغم مما اعترى علاقاتهما من توترات وتضارب ومواجهات. وترتكب المعارضة المسيحية خطأ فادحا اذا اعتقدت ان واشنطن يمكن ان تتحالف معها ضد سوريا. فالمصالح الاميركية مرتبطة الى حد كبير بدمشق في حين انها غير مرتبطة ببعض القوى اللبنانية من مسيحية واسلامية.

صحيح ان عملية السلام في المنطقة مجمدة، والمسار الفلسطيني مستأخر الى حين تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة واستكمال الاصلاحات داخل السلطة الفلسطينية، وان واشنطن منهمكة بتحضيرات الحرب ضد العراق، لكن سوريا تبقى عامل استقرار في المنطقة ولا بد لواشنطن من اللجوء اليها في نهاية المطاف من أجل ترتيب وضعها النهائي.

على هذا عقدنا في 12 سبتمبر الجاري في الاشرفية، الجزء المسيحي من العاصمة بيروت، لقاء تضامنيا مع سوريا ضد اسرائيل، واعلنا ان لبنان يقترب من الولايات المتحدة بقدر ما تقترب واشنطن من سوريا، ويبتعد عنها بقدر ما تنحاز لاسرائيل.

ان تضامن لبنان مع سوريا في مواجهة اسرائيل هو تضامن مع الذات لدرء العواصف التي ستهب على المنطقة ولدرء نتائجها على الوطن. ومما لا شك فيه ان الحملة الاميركية ضد العراق سوف تنتج أقلّه في المراحل الاولى فوضى كبيرة في منطقة الشرق الاوسط. وهذه الفوضى تفيد اسرائيل، ولن تقبل سوريا بأن تدوم، كما مصلحة الولايات المتحدة ألا تدوم طويلا.

بعد اجتياح العراق ستقوى الحاجة الى ضبط الفوضى وعودة الاستقرار، وسوريا لاعب اساسي في هذ السياق. ومثلما لا سلام في المنطقة من دون سوريا، فلا استقرار في المنطقة من دونها ايضا.