سباق الحرب... والسلام

TT

في وقت يكشف فيه العديد من اعضاء الحزب الديمقراطي في الكونغرس الاميركي عن نيتهم في «عدم التسرع» في منح الرئيس الاميركي جورج بوش موافقتهم على ضرب العراق، ويجمع فيه وزراء الخارجية العرب على مطالبة بغداد بالسماح بعودة فرق التفتيش الدولية عن اسلحة الدمار الشامل الى العراق، وتنفي فيه بغداد، وفي أكثر من مناسبة، تطويرها لاسلحة دمار شامل... يصح الاستنتاج بان كرة نزع فتيل الحرب اصبحت في الملعب العراقي.

قديما قال السياسي الفرنسي الشهير، كليمونصو، ان «الحرب أمر أخطر بكثير من ان يترك للجنرالات وحدهم». وإذا كان بعض المخططين الاستراتيجيين في واشنطن يسمحون لانفسهم بتجاهل الابعاد المستقبلية لحرب على دولة عربية، فمن غير المفترض في بغداد ان تسقط من حساباتها تبعات هذه الحرب، فمن شأن اي عملية عسكرية ضدها الحاق اضرار بشرية واقتصادية قد تزيل في ايام او اسابيع ما حققه العراق خلال السنوات العشر الماضية من اعادة انماء اقتصاده واعادة تأهيل بناه التحتية، اضافة الى ما سينجم عن هذه الحرب من زعزعة لاستقرار الشرق الاوسط الى فترة غير قصيرة. وقبل هذا الاعتبار وذاك، ما ستفرزه هذه الحرب من ترجيح ميزان القوى الاقليمية لصالح إسرائيل.

تفادي اندلاع الحرب بات أولوية المرحلة، مع التسليم بحق العراق في المطالبة بضمانات دولية برفع الحظر المفروض عليه منذ عام 1991 في حال تثبت المفتشين من خلوه من اسلحة الدمار الشامل.

وعلى هذا الصعيد برزت في مجلس الامن بوادر اجماع بين الدول الخمس الدائمة العضوية، واكثرية الدول الاخرى المنتخبة، على تحديد اطار زمني معقول لعمل المفتشين في العراق.

لذلك، من شأن أي موقف رفض مطلق للقبول بعودة المفتشين إثارة شكوك واشنطن ـ والعواصم الغربية المتأثرة بموقفها ـ حول وجود شيء ما تحاول بغداد أن «تخفيه» عن المفتشين، اضافة الى إسقاط ذريعة العديد من اعضاء الكونغرس الاميركي من مطالبي ادارة بوش بالاجابة عن «تساؤلات مهمة» قبل منحه تفويضا بشن حرب على العراق، كما أعلن أخيرا زعيم الاغلبية في مجلس الشيوخ، توم داشل.

في ضوء هذه المعطيات قد يكون رأس الحكمة في دبلوماسية المرحلة استباق الحكومة العراقية صدور قرار مجلس الامن بشأن عودة المفتشين باعلان موافقتها، من طرف واحد، على عودتهم و«استغلال الفرصة المتاحة من دون شروط او ربط مسبق بمصير العقوبات، إذ ان الامتثال سيؤدي الى رفعها»، كما قال وزير الخارجية السعودي، الامير سعود الفيصل.

باختصار، بغداد الآن في سباق مع نوايا الادارة الجمهورية في واشنطن فيما الوقت يضيق أمام خياراتها العملية.

من هنا اهمية التحلي بدبلوماسية مرنة واستعادة المبادرة في السباق القائم بين الحرب والسلام بقرار جريء بقبول المفتشين أولا... ومن ثم لكل حادث حديث.