السير على نهجنا

TT

قدم الرئيس بوش طرحاً قوياً في الامم المتحدة حول لماذا يجب على المجتمع الدولي ألا يسمح للعراق بالاستمرار في تعويم قرارات الامم المتحدة الخاصة باسلحة الدمار الشامل. لكن أكثر ما أثر بي حول ذلك المشهد هو كيف أنتظر ممثلو الامم المتحدة بانتباه خطاب الرئيس وكيف استمعوا له. ويجب علينا ان نستمع لاستماعهم، لأنه يخبرنا بعض الاشياء الهامة عن عالمنا.

أولاً، بالنسبة لكل الاصوات التي تقول بتصاعد المشاعر المعادية للاميركيين، تظل اميركا القائد غير المنازع للعالم، القوة العظمى التي ترتكب نصيبها من الاخطاء لكن هي القوة التي لا يمكن أن يتم شيء خير دونها.

لكن، ثانياً، بينما تتطلب القيادة شجاعة اميركية فإنها ترسو في النهاية على قيم اميركية، بمعنى أن ما يعطي اميركا اليوم قوتها غير المسبوقة وتأثيرها هو حقيقة هو، اكثر من أي وقت سابق من التاريخ، أن العالم وصل الى درجة قبول القيم الغربية للسلام والديمقراطية والسوق الحرة التي ينتظم المجتمع الاميركي حولها.

ثالثا، بينما يمكن للارهابيين والحمر مثل صدام حسين أن يشنوا هجمات مميتة نحونا فإنهم لا يستطيعون تقديم توجه بديل يحظى بأي جاذبية في العالم. وبالطبع فإن السبب الذي دفع الارهابيين لشن هجمات ضخمة على غرار هجمات 11 سبتمبر يعود بالتحديد الى انهم لا يتمتعون بتأييد كبير ويجب أن يعوضوا ذلك بضوضاء وغضب بدلا من آراء مقنعة وانجازات باقية وتأييد جماهيري.

ان المانيا الهتلرية والاتحاد السوفياتي تحت سلطة ستالين وصين ماو لم تمثل فقط في زمانها بدائل قوية لقيادة الولايات المتحدة وانما مثلت ايضاً بدائل ايديولوجية قوية وشعبية للسلام والديمقراطية والسوق الحرة. ومع سقوط هتلر وستالين وماو في القرن الماضي لم يعد هناك أي منافس عسكري أو ايديولوجي خطير لهذه الافكار. إن ذلك التوجه العالمي مفضل لنا، لكن استدامته تعتمد على صحة اميركا وحكمتها التي تقود العالم بها، خصوصا الآن.

أتمنى لو أستطيع أن اقول انني فكرت في كل التصورات بنفسي لكنني لم افعل. لقد أتت من قراءتي لكتاب جديد وهام هو كتاب «الافكار التي احتلت العالم: السلام والديمقراطية والاسواق الحرة في القرن الحادي والعشرين» لمايكل ماندلبوم من جونز هوبكنز ومجلس العلاقات الخارجية.

وتقول اطروحة ماندلبوم ان كل الايديولوجيات القوية المنافسة لاميركا ولحلفائها الديمقراطيين قد اختفت وأن هناك ثلاث افكار كبيرة تهيمن على السياسة الدولية. الفكرة الاولى هي السلام كطريقة لتنظيم العلاقات الدولية. وهو بهذا يعني الفكرة المركزية التي استطاعت في النهاية ان تحقق الاستقرار في اوروبا منقسمة، وتحديداً التحكم في السلاح، فكرة أن الجيوش يجب أن توظف فقط في شؤون الدفاع، مع قدر كبير من الشفافية بحيث تعرف كل دولة ما تفعله الاخرى. والفكرة الاخرى التي انتصرت هي فكرة الاسواق الحرة وهي افضل طريقة لكي تنتقل الشعوب من الفقر الى الازدهار. والفكرة الاخيرة هي أن تكون الديمقراطية الشكل الامثل للتنظيم السياسي.

وقال ماندلبوم «وللتأكيد فإن هذه الافكار لا تمارس في كل مكان لكنها أكثر قوة وجاذبية من أي افكار اخرى، وليس لها منافس قوي في عالم اليوم. إن بن لادن وصدام يمثلان خطراً على السلامة الشخصية للبشر الذين يعيشون في عالمنا لكنهما لا يشكلان خطراً وجوديا كذلك الذي مثله هتلر أو ستالين أو ماو. ولم يستطع اي من الرجلين (بن لادن وصدام) ان يتحكما في بلد كبير ذي افكار واسعة وجذابة».

وهذا يقودنا الى ما يحدث اليوم. إن من الاشياء الحاسمة ونحن نواجه العراق أو اي حدث ارهابي آخر أن نفعل ذلك بطريقة تدعم الاتجاهات الايجابية في العالم التي تحظى بتفضيلنا.

قال ماندلبوم «ان ذلك يعني ان نتعامل تجاه العراق مع اكبر عدد ممكن من الحلفاء بأكبر قدر ممكن من التأييد العالمي كي ترى مواجهة العراق كتدعيم لما صرنا نقبله الآن من مبادئ، بدلا من سياسة بلد بعينه. يجب ان نواجه العراق بطريقة تقنع الناس بأن هذا واجب عالمي وليس مجرد ما تفضله اميركا».

يجب ألا ننسى اننا منتصرون. وليس للارهابيين والحمر القوة في خلخلة عالمنا أو تغيير الاتجاهات الايجابية العريضة. ووحدنا، نحن الذين نشكل الاتجاهات نستطيع أن نفعل ذلك، بالعمل بطرق تدفع الى خلخلة الاتجاهات نحو السلم وإحداث الربكة في الاسواق العالمية واحداث اضطرابات في ما بين الدول الديمقراطية. إذا فعلنا ذللك فإننا حقيقة سنخلق عالماً يحفه الخطر، عالما يحتقر فيه التعامل مع المثل الغربية والبلد الاكثر اهمية في تدعيم هذه المثل، اميركا، وتضعف وتفقد هيبتها.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الاوسط»