هل هو بداية التمرد الأوروبي

TT

التقيت بسياسي اوروبي كبير وثيق الصلة بالشرق الاوسط والسياسة الامريكية والاسرائيلية، صديق لاسرائىل وحقها في الوجود، ومن المتعاطفين مع السياسة الامريكية وحاجة اوروبا الى امريكا القوية. اندهشت جدا للتغيير الذي طرأ على تفكيره، حيث لم أره منذ احداث 11 سبتمبر، وقتها كان متعاطفا جدا مع الموقف الامريكي ووجوب الرد بالقوة على افغانستان وسحق القاعدة وطالبان ولكنه كان قد اعترف ايضا بأن نظرية محمد عطا لا تقف على قدمين ثابتتين وينقصها الكثير من الشفافية والدليل.

بادرني بقوله: ان الادارة الامريكية تجاوزت كل الحدود المقبولة والمعقولة في تعاملها مع حلفائها الاوروبيين وبقية العالم. فهي تتعامل مع اوروبا كمحميات امريكية وليس كدول مستقلة، وانها تفرض علينا مواقف ضارة بمصالحنا. وضرب امثلة على ذلك منها الجمارك على صادرات الصلب الاوروبي واستخفافها بقرارات مؤتمر كيوتو للبيئة، ومحاربتها لمحكمة الجزاء الدولية. بالاضافة الى الاملاءات الشديدة والضغوط الهائلة التي تمارسها الولايات المتحدة على الدول الاوروبية في مكافحة الارهاب حتى تحولت هذه المسألة الى مسرحيات مملة وغير مقبولة.

إن هذه الادارة هي الأسوأ في التاريخ وهي رهينة ضغوط داخلية شديدة التعقيد، منها اليمين المسيحي المتطرف الذي يريد السيطرة على العالم من خلال نظرة لاهوتية شديدة الاستعلاء على الديانات والحضارات الأخرى، ثم لوبي البترول القوي المتنفذ الذي يرى انه حتى تكون امريكا سيدة العالم، فانها تحتاج الى السيطرة على مقدرات الطاقة من بترول وغاز ثم هناك لوبي السلاح الذي يريد تحقيق برامج عسكرية خيالية التكاليف، ثم اللوبي الصهيوني الذي يسيطر سيطرة كاملة على الكونغرس والسي آي آي، ثم الموساد الذي تغلغل في اوساط الادارة ـ البوليس الفدرالي ـ المخابرات المركزية مع حماية كبيرة من اصحاب القرار في الولايات المتحدة، ثم اضاف قائلا: إن التزاوج الخطر المميت بين الادارة الامريكية والاهداف الصهيونية اصبح يشكل تهديدا هائلا للدول العربية، وللسلام في المنطقة ولأوروبا، بل وامريكا نفسها. لقد ضغطت الولايات المتحدة على الدول الاوروبية واليابان وروسيا والصين لتقوم بدورها بالضغوط الشديدة على الدول العربية من أجل تقديم تنازلات في القضية الفلسطينية، بل وتصفيتها. ولقد قبل عرفات بكل شيء وتنازل عن حق العودة وقبلت الدول العربية بالاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها، وبكل الشروط الأخرى المذلة والمهينة وتم الضغط على ايران وسوريا بخصوص حزب الله وبات كل شيء ملائما لتسوية القضية الفلسطينية مع اسقاط حق العودة الذي قبلت به الدول العربية والسلطة الفلسطينية سرا وعلنا تلميحا وتصريحا.

ولكن اسرائيل لا تلبث ان تغالط وان تتقدم بطلبات أخرى تجعل التوصل الى حل سياسي مقبول امرا مستحيلا.

لقد طالبوا بأن تقوم الدول العربية النفطية ودول اوروبا واليابان بالتعويض على اللاجئين الفلسطينيين ـ اسرائىل لن تدفع شيئا ـ بل انها تريد تعويضات من الدول العربية لليهود الذين خرجوا من البلاد العربية. ثم طالبوا بأنه في أي تسوية نهائية يجب ان تكون هناك حصة من مياه النيل ومن المياه التركية لاسرائيل ـ حتى وان لزم الأمر تعديل اتفاقيات تقاسم مياه النيل بين مصر والدول الافريقية.

ثم قالوا ان الكثافة العربية في اسرائيل والضفة الغربية تهدد أمن اسرائىل ولذلك يجب تخفيف هذه الكثافة بتهجير مليون عربي في السنوات القادمة لتتمكن اسرائيل من استقبال مهاجرين جدد من فرنسا، والارجنتين، وغيرهما، وان تساعد اوروبا في تنفيذ هذه الخطة. لقد تقدموا من جديد بطلبات تعجيزية مستحيلة التحقيق، وتضع الدول العربية المعتدلة في خطر شديد خطر الثورة الداخلية على الانظمة، لقد طلبوا ان يتولى الاردن ومصر، تصفية الانتفاضة، وان تقوم قوات أمن خاصة من المخابرات واجهزة الأمن المصرية بتصفية القيادات الفلسطينية العاملة في الجهاد الاسلامي وحماس... الخ في قطاع غزة، وان يقوم الاردن بعمل نفس الشيء مع الموساد في الضفة الغربية، أي نقل المعركة من معركة بين الفلسطينيين والاسرائيليين، الى معركة بين المصريين والفلسطينيين من أجل حماية اسرائيل. وتهدد امريكا بقطع المساعدات عن مصر اذا عجزت هذه الاخيرة عن ايقاف الانتفاضة وحماية أمن اسرائيل.

إن هناك قناعة اوروبية بأن العرب قد قدموا كل شيء طلبناه منهم، وان تقديم تنازلات جديدة لن يفيد الامر شيئا، بل سيزيد من الطلبات الصهيونية وان لإسرائيل اطماعها، وهي ان تسيطر سيطرة كاملة ـ أولا في شراكة مع امريكا ـ ثم منفردة على منطقة الشرق الاوسط (مقدراتها البترولية، المياه)، وان تكون الدول او الدويلات العربية مجرد توابع تدور في فلك السياسة الاسرائيلية وفي هذا خطر كبير على مصالح اوروبا في المنطقة.

للأسف الادارة الامريكية منحازة تماما لاسرائيل دون تحفظ وتوالي الضغوط على الدول العربية ـ اما ان تتجاوب مع الضغوط الاسرائيلية ـ الامريكية وتنفذ طلباتها وتبطش بشعوبها، او تتغير هذه الانظمة وتزول لتحل محلها انظمة مطيعة خادمة للاطماع الامريكية ـ الصهيونية.

إن سياسة الابتزاز هذه سوف تفجر المنطقة وتهدد أمن حوض البحر الابيض المتوسط، وسوف يتدفق الملايين من اللاجئين الى اوروبا الغربية، الامر الذي يهدد النسيج الاجتماعي والسياسي لهذه الدول ويهدد ايضا، رخاءها الاقتصادي، ويسبب القلاقل العنصرية، اما امريكا فهي تبعد آلاف الكيلومترات من البحار لا يصل اليها اللاجئون بسهولة.

أما عن العلاقات الاسرائيلية ـ الاوروبية فقال إن اسرائيل تشكو من ان الدول الاوروبية لا تقوم بما فيه الكفاية من أجل حماية الشعب اليهودي من محرقة جديدة وان اوروبا لا تقوم بدورها بالضغط على العرب وعرفات من أجل القبول بالسلام الاسرائىلي، السلام الذي يقوم على ان تكون السلطة الفلسطينية هي سلطة لحدية (من أنطون لحد اللبناني) تحفظ أمن اسرائيل وتبطش بكل فلسطيني يهدد أمنها ـ نظير امتيازات معينة تقدم للقيادات الفلسطينية المتعاونة ـ وانه لن يكون هناك اي حل غير ذلك ـ وسيعمل جورج بوش على اعادة تغليف هذه الطلبات وهذه البضاعة السيئة من جديد، انهم يهددون بحرب جديدة ضد ايران والدول العربية خاصة سوريا.

لقد قدمت اوروبا الكثير جدا للمشروع الصهيوني ـ دفعت ألمانيا وحدها 150 مليار دولار ودفعت دول اوروبا مثل هذا المبلغ في شكل مساعدات اقتصادية ـ اعفاءات جمركية ـ مساعدات علمية وتكنولوجية وغيرها، وقدمت ألمانيا ثلاث غواصات نووية متطورة وهي تريد المزيد وتحاول ابتزاز دول اوروبا، ألمانيا، فرنسا، سويسرا، هولندا واسبانيا وغيرها بطلبات جديدة من أجل حماية الشعب اليهودي من الابادة، واسرائيل من الفناء. لقد عرضنا عليهم معاهدة امن وتعاون عسكري تحفظ حدود اسرائيل 67 بقرارات من الامم المتحدة، مجلس الامن والناتو... الخ ولكنهم رفضوا...

إنهم يريدون الارض والسلام والتمدد والمياه وان يكون دورنا هو تمويل هذه المشاريع التوسعية وحمايتها الى الأبد.

لقد تقدموا حديثا بطلبات جديدة مشفوعة بالتأييد الامريكي التام، طلبات ليس لها مثيل في تاريخ اوروبا، منها رفع سرية البنوك والكشف عن حسابات معينة لابتزاز اصحابها، مراقبة واعتقال اشخاص وتسليمهم للولايات المتحدة، ابتزاز الشخصيات الاوروبية التي تتجرأ على انتقاد السياسة الاسرائيلية، مراقبة الاذاعة، الصحافة، التلفزيون، ثم حصار الجاليات الاسلامية، وتجريمها وتشويه سمعتها وملاحقتها بالارهاب والتضييق عليها وتهجيرها وغيره. وهذه السياسة اذا طبقت فسوف تجلب عداء الجاليات الاسلامية، بل وسوف تخلق الارهاب في اوروبا مما يهدد أمنها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.

* رئيس اتحاد المنظمات الاسلامية في سويسرا