هكذا تكلم بوش

TT

ثمة عادة لدى العموم وهي ان يسألوا الصحافيين رأيهم في احداث المستقبل على اساس انهم يعرفون اكثر مما يعرفه الآخرون، أو ما لا يعرفه الآخرون. والصحافيون قسمان، واحد يضع رجلا على رجل ويبدأ في رسم احوال العالم، وواحد يقول الحقيقة، وهو انه لا يعرف شيئا لا يعرفه الجميع. ولكن مهمة الصحافي ان يتابع اكثر من غيره. ومهنته ان يتابع بدقة اكبر. وهذه الايام يطرح عليّ كل كائن حي اقابله سؤالا واحدا: «هل برأيك سيضربون العراق؟». البعض يتمنى في وضوح ان يكون الجواب نعم. والبعض الآخر يرتعد من الفكرة بكل صدق. والبعض الثالث، كما في كل القضايا، ينتظر النتيجة ليعلن موقفه.

الجواب الحقيقي الذي نتجنبه دائما، هو العودة الى النصوص. ذلك ان النصوص العربية الرسمية غالبا ما لا تقول شيئا خارج العموميات. ولذلك اعتدنا ألا نقرأ النصوص الاخرى وان لا نأخذها في الاعتبار. لكن الكلام الذي نسمعه من جورج بوش في الخطب الرسمية لم يعده ولم يكتبه جورج بوش. ان الادارة المصغرة كلها تقف وراء كل كلمة منه. وجورج بوش ـ مثل رونالد ريغان ـ يقر هذا الخطاب ويلقيه. وجورج بوش هو الذي قال في «الرسالة عن حال الاتحاد» الى الكونغرس في يناير الماضي «ان أمتنا ستظل صامدة وصبورة وملحة في سبيل تحقيق هدفين عظيمين: الأول، اننا سنغلق معسكرات الارهابيين، وسوف نعطل خطط الارهابيين ونقدم الارهابيين للعدالة. وثانيا يجب ان نمنع الارهابيين والانظمة التي تسعى الى الاسلحة الكيماوية او البيولوجية او النووية، من ان يهددوا الولايات المتحدة والعالم».

وبعدها القى بوش ثلاث خطب في ثلاث كليات عسكرية كبرى، شدد فيها على ان وسائل الصراع التي كانت معتمدة في الحرب الباردة لم تعد كافية بالنسبة الى أميركا «ويجب ان ننقل المعركة الى العدو، وان نعطل خططه وان نواجه اسوأ الاخطار قبل وقوعها». أي شن الحروب الوقائية. ثم ذهب الى ابعد من ذلك ليحدد ويسمي «دول محور الشر» وقد اورد بينها اسم كوريا الشمالية لكي لا تبدو دول هذا المحور اسلامية فقط. فقد تعلم من الغلطة التي ارتكبها غداة 11 سبتمبر عندما استخدم تعبير «الكروسيد» ضد الارهاب، واعتذر عنه بزيارة جامع واشنطن لكي يؤكد انه لم يكن يقصد «الصليبية» بمعناها في القرون الوسطى.

حاولت، منذ لحظة الرعب في توأمي البرج التجاري، ان اتابع التعابير التي سوف يستخدمها بوش، وليس اخبار الموت واحصاءاته. وعندما استخدم مصطلح «اعلان الحرب» كتبت في هذه الزاوية انه اعطى لنفسه الحق في ان يفعل أي شيء: من ضرب أفغانستان الى احتجاز المجموعات الاسلامية في أميركا دون محاكمة. وعندما يعلن «الحرب» لا يعود في امكان القوى المعارضة او المنافسة في الداخل ان تتردد. فهذه «حرب الأمة» لا معركة الحزب الحاكم.

وقد برزت في الاشهر الاخيرة اختلافات كثيرة في النصوص: هناك نصوص ديك تشيني التي تتخطى نص بوش. وهناك نص وزير الخارجية الذي يبتعد عنهما. وهناك لغة وزير الدفاع الذي يقول ان «أميركا لا تريد سجناء احياء» او «ان الحرب على الارهاب سوف تستمر ثلاثين عاما». وهناك نص المرشح الديمقراطي الاوفر حظا للرئاسة، آل غور. ولكن جميع هذه النصوص لا ترفض فكرة الحرب او مبدأ الحرب او مبدأ «نقل المعركة الى العدو» وانما منها من يريد انضمام الأمم المتحدة ودول اخرى الى تلك الحرب لكي لا تبدو أميركا المقاتلة الوحيدة او المستهدفة الوحيدة، بل هو الغرب برمته، شريك في الحرب وضحية في الاستهداف. ولذا قال جورج بوش «ان من ليس معنا فهو مع الارهاب، في أي منطقة من العالم».

عندما تشتد الاحداث الجديدة يجب ان نرجع الى النصوص القديمة. انها لن تتغير الا بتحول اساسي. واذا حدث فسوف يلغيها نص جديد.