العرب وأمريكا ورؤيتان مختلفتان لتداعيات 11 سبتمبر

TT

كثيرون من المحللين السياسيين ناقشوا خلال الأسبوعين الماضيين تفجيرات 11 سبتمبر وتطورات أحداث السنة التي أعقبتها. ولقد حضرت في الأسبوع الماضي المؤتمر العالمي الأول لدراسات الشرق الأوسط الذي انعقد في جامعة ماينز في المانيا حيث هيمنت مسألة 11 سبتمبر على غالبية بحوث ومناقشات المؤتمر. فما هي أهم النقاط التي أثارها المحللون السياسيون في احاديثهم عن تداعيات انهيار برجي نيويورك؟

من خلال متابعة ما قيل عن الموضوع في الاعلام العربي والأمريكي والأوروبي خلال الأسبوعين الماضيين يمكننا ان نلاحظ بسهولة وجود اختلاف واضح بين الطريقة التي ينظر بها العرب والطريقة التي ينظر بها الأمريكيون لتداعيات احداث سبتمبر. فبينما يتحدث العرب بصفة عامة عن المبالغة في رد الفعل الأمريكي وعن استخدام واشنطن لاحداث 11 سبتمبر ذريعة لفرض هيمنتها على العالم فان الأمريكيين ما زالوا يؤكدون ضرورة المضي قدما في الحرب ضد الارهاب في كل مكان بالعالم، وماذا بشأن الأوروبيين في هذا الأمر؟ هل يتخذون فيه موقفاً وسطاً بين العرب وامريكا؟ نعم ان هذا صحيح بالنسبة للتوجه الأوروبي العام، ولكن بعض الأوروبيين هم اكثر دعوة من الامريكيين للاستمرار في محاربة الارهاب وللتشدد ضد العرب والمسلمين الذين أصبحوا رمزاً للتطرف والعنف في نظر الكثيرين من الغربيين. وينبغي ان لا ننسى فئة أوروبية ثالثة وهي الفئة الليبرالية التي تشابه العرب في معارضتها للكثير من السياسات الأمريكية الجديدة في العالم. ولقد سمعت في مؤتمر ماينز بعض الأصوات الأوروبية القوية المعارضة لبعض مواقف ادارة الرئيس بوش التي سبقت احداث 11 سبتمبر واعقبتها. ومن ذلك مثلاً ان رئيس احدى الجلسات العامة في المؤتمر والتي حضرها اكثر من خمسمائة شخص والمخصصة لمناقشة تداعيات 11 سبتمبر في الشرق الأوسط، قال في نهاية اللقاء بأن ادارة الجلسة تلقت طلباً من بعض الحضور لاصدار بيان عن الجلسة او عن المؤتمر كله للتعاطف مع سعد الدين ابراهيم وللطلب من الحكومة المصرية اطلاق سراحه. وعلى الرغم من تعاطفنا القوي مع سعد الدين ابراهيم ورفضنا لمبدأ سجنه ـ كما قال رئيس الجلسة ـ الا ان موقف الحكومة الأمريكية الأخير وتهديدها بوقف المساعدات عن مصر اذا لم تقم الحكومة المصرية باطلاق سراح سعد الدين ابراهيم يجلعنا نتردد ـ كما أضاف رئيس الجلسة ـ في اصدار أي بيان تعاطفي مع سعد الدين ابراهيم في الوقت الحاضر حتى لا يُفسَّر موقفنا على انه تأييد لواشنطن في ممارسة الضغط على الحكومة المصرية بهذه الطريقة غير المقبولة. وسوف نسعى بنفس الوقت ـ والحديث ما زال لرئيس الجلسة ـ لمتابعة الاتصال مع الجهات المصرية المسؤولة لحثها على الاهتمام باطلاق سراح سعد الدين ابراهيم في أسرع وقت ممكن.

واذا تأملنا في قضية العراق لتوضيح اختلاف الرؤية لتداعيات 11 سبتمبر بين امريكا والعرب نجد ان امريكا الرسمية والاعلامية تربط بطريقة مباشرة وغير مباشرة بين خطورة الارهاب في العالم وبين نظام صدام في العراق. وعلى الرغم من عدم وجود أي علاقة للعراق بأحداث 11 سبتمبر وعدم ثبوت امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل فان واشنطن ولندن تصران على ضربه ضمن سياق الحرب ضد الارهاب. ولكن العرب والكثير من الأوروبيين يعارضون بشدة الموقف الأمريكي تجاه العراق. ولقد دفعت هذه المعارضة بواشنطن الى دفع القضية للأمم المتحدة بهدف الحصول على الشرعية الدولية لتنفيذ عمليتها ضد العراق. ويبدو ان اصرار العراق على وضع شروط لعودة المفتشين الدوليين سوف يمكن واشنطن من الحصول على المظلة الدولية التي تحتاج اليها، وسوف يجنب الموقف العراقي ايضاً الدول العربية مسألة الاحراج في مواجهة امريكا بسبب ضربها للعراق. ولكن هذا هو منهج صدام في التعامل مع امريكا لم يتغير منذ احتلاله للكويت عام 1990. وربما يصر صدام على موقفه الآن لأنه يعتقد بأن امريكا سوف تضربه سواء سمح بعودة مفتشي الأمم المتحدة أم لم يسمح. وان بعض الأوروبيين الذين حضروا مؤتمر ماينز يؤيدون هذه النظرة ويعتقدون ان قرار ضرب العراق قد اتخذ بشكل نهائي اثناء اجتماع بوش وبلير الأخير وان موعد تنفيذ الضربة سيكون في الأسبوع الأول من شهر يناير 2003.

ويمكن توضيح الفرق بين الموقف الأمريكي والموقف العربي في النظرة لتداعيات 11 سبتمبر وتقويمها والتعامل معها في مثال آخر يتعلق بتطورات احداث القضية الفلسطينية. فلقد وافقت الحكومة الأمريكية على اطلاق يد شارون في ضرب الفلسطينيين لأنها تنظر للعمليات الانتحارية الفلسطينية بوصفها عمليات ارهابية مماثلة لأعمال منظمة القاعدة. وبالتالي فان القضاء عليها ومنعها من الحدوث قد اصبح من المنظور الأمريكي جزءاً من الحرب الدولية ضد الارهاب. ولكن العرب بالمقابل سواء كانوا يؤيدون العمليات الانتحارية الفلسطينية او يعارضونها يرفضون تشبيهها بالنشاطات الارهابية لمنظمة القاعدة، فعلى الرغم من ان العمليات الانتحارية الفلسطينية مرفوضة من قبل عرب كثيرين لأنها تقتل المدنيين وتضر بالقضية الفلسطينية على صعيد عالمي، إلا ان الفرق واضح بينها وبين الأعمال الارهابية المرتبطة بالقاعدة. فأعمال القاعدة ناتجة عن آيديولوجية سياسية متطرفة تحاول استغلال مفهوم الجهاد في الاسلام، بينما الأعمال الانتحارية الفلسطينية ـ سواء كنا نتفق معها أم نختلف في المبدأ والمنهج والنتائج ـ فانها ناتجة عن شعور بعض شباب وفتيات فلسطين باليأس والبؤس والمعاناة من اضطهاد وظلم شارون وجنده وخيبة أملهم من العالم اجمع وخاصة الدولة العملاقة امريكا التي تساعد في ذبحهم بينما يتشدق رجال ونساء سياستها واعلامها صباح مساء دون خجل او حياء بالحديث عن حقوق الانسان وعن الحرية والعدالة والمساواة التي يسعى النظام الأمريكي الى نشرها في العالم اجمع. وعلى الرغم من ان اوروبا في مواقفها السياسية والاعلامية تبدو اقرب الى الموقف العربي بكثير من الموقف الامريكي الا ان موقفها الداعم للفلسطينيين غير قادر على مواجهة الموقف الأمريكي، فهو لا يسمن ولا يغني من جوع. وفي حلقة النقاش المخصصة لمناقشة مواقف وسياسات السعودية في مؤتمر ماينز العالمي لدراسات الشرق الأوسط اراد استاذ اوروبي يساري ان يلهب النقاش بجدل مثير غير صحيح فقال ما يفيد بأن السعودية ينبغي ان تستخدم سلاح البترول لممارسة المزيد من الضغط على واشنطن. فتلقى الأستاذ الأوروبي مجموعة من الردود ليس فقط من المشاركين السعوديين ولكن من جمهور الحضور ايضاً، والتي أكدت صعوبة مزايدة أي كان على موقف السعودية التي واجهت الكثير من المعاناة بسبب الضغط الذي تمارسه على واشنطن. وقيل للأستاذ الأوروبي في أحد الردود بأن السعودية وغيرها من الدول العربية تحاول ما يمكنها فعله للتأثير في الموقف الأمريكي الداعم لاسرائيل ولكن ماذا فعل الليبراليون الأوروبيون يساريين كانوا أم غير يساريين للتأثير في الموقف الأمريكي؟

وهناك مثال ثالث يوضح الاختلاف بين العرب والأمريكيين حول تداعيات احداث 11 سبتمبر يتمثل في قيام الاعلام الامريكي بتحميل بعض المناهج والتوجهات الدينية في العالم الاسلامي مسؤولية غير مباشرة في أحداث 11 سبتمبر من خلال مساهمتها بنشر ثقافة العنف وعدم التسامح بين شباب العالم الاسلامي. لكن الاعلام العربي بالمقابل يركز على تحميل مسؤولية تطرف بعض الجماعات الاسلامية لدعم امريكا المطلق لاسرائيل وللفكر السياسي المتطرف الذي تطور وترعرع وتقوى في افغانستان اثناء دعم واشنطن حرب المجاهدين ضد الوجود الشيوعي السابق في افغانسان.