شتاء فلسطين وصيف العراق فوق سقف بريطاني واحد

TT

عرض رئيس الحكومة البريطانية توني بلير أمس ما وصفه بـ«ملف التهديدات الخطيرة» التي يشكلها النظام العراقي على السلامين الاقليمي والعالمي. وجرياً على عادته المتبلورة على امتداد الأشهر الماضية، اتسم عرض بلير «الملف»، ومن ثم دفاعه عنه امام مجلس العموم البريطاني، بأمرين:

الأمر الاول، تقريباً غياب الارقام والمستمسكات الدامغة عن «الملف» الذي طالما وُعد المواطنون والساسة البريطانيون بحمله «أدلة قاطعة» لا تقبل الجدل على تطوير العراق اسلحة دمار شامل. فكل ما اورده تقارير وتخمينات وادعاءات استخباراتية قد تكون صادقة او لا تكون، وفي مطلق الاحوال يستحيل التأكد من صحتها او بطلانها كونها مستقاة من مصادر استخباراتية ـ او مختلقة اختلاقاً من قبلها، وبالتالي، بما أن هذه المصادر استخباراتية توجب مقتضيات الأمن العام حماية سريتها.

الأمر الثاني، هو إصرار بلير على «تجريد» العراق من سلاحه وتكراره إعلان رغبته في تغيير نظامه ـ بحماسة منقطعة النظير ـ في حين تجاهل عن عمد غير مرة الخوض في العمق في تعقيدات الوضع الاقليمي، وتجاهل إسرائيل مقررات الامم المتحدة، وسعيها الدؤوب لتدمير البنى التحتية للسلطة الفلسطينية، ناهيك من خطر ترسانة إسرائيل النووية في المنطقة وعليها.

بل تجاهل ايضاً الموقفين العربي والاسلامي السلبيين جداً من التهديدات باحتلال العراق وتقسيمه كجزء من بناء نظام اقليمي جديد، تصفّى معه القضية الفلسطينية وتُفرض الهيمنة الاقليمية الاسرائيلية في ظل نزع اسلحة الجيوش العربية واكتمال السيطرة على منابع النفط العربي.

أداء رئيس الحكومة البريطانية في «أم برلمانات» العالم، أمس، لم يفاجئ اياً من متابعي مواقفه طوال الاشهر القليلة الماضية. كذلك لم يفاجئ احداً انعدام الادلة الحسية على وجود خطر داهم من العراق على أمن الشرق الاوسط بصفة خاصة، وأمن العالم عموماً. ولكن كان لافتاً حقاً تعامل بلير مع الأمم المتحدة كـ«مطية» مضمونة الولاء ومصادرة الارادة ستسير حتماً في ركب الحرب.

كذلك كان لافتاً استخفاف بلير بالتداعيات التي يمكن ان تحصل إن على صعيد الوضع الداخلي في العراق ـ حيث دمر النظام الحالي معظم امكانيات نشوء نظام ديمقراطي بديل يتمتع بقاعدة وطنية عريضة، او على صعيد المنطقة ككل، حيث تعيش بضع دول عربية، هي تحديداً العراق وسورية ولبنان والاردن والاراضي الفلسطينية، بين فكي كماشة خانقة اسرائيلية ـ تركية تهدد ليس فقط بضرب شعوبها وقواها السياسية ونسف سيادتها الوطنية باحتلالات واقعة ومحتملة، بل تسلبها مواردها المائية وثرواتها الطبيعية وتجرها نحو هاوية الانهيار الاقتصادي.

ان ما شهده مجلس العموم البريطاني يؤكد من جديد حقيقة مشاعر رئيس الحكومة البريطانية إزاء هموم شعوب المنطقة وطموحاتهم ومخاوفهم. وهذا الواقع مؤسف خصوصاً من دولة كبرى تلاعبت طويلاً بخريطة الشرق الاوسط، لكنها ما زالت تتعامل معها على أساس انها خريطة لمنطقة بلا شعوب.