أبواب الخروج من جهنم

TT

باستثناء بضع مئات ممن يحيطون بالرئيس العراقي ويديرون له اجهزة الدولة، القمعية خصوصا، يؤيد العراقيون اطاحة صدام حسين ولو بالحرب، رغم ان الحرب تفزع العراقيين كثيرا، لكن ليس اكثر من صدام.

حتى الذين يعلنون في الخارج انهم ضد الحرب الوشيكة انما يؤيدونها في دواخلهم ما دامت ستفضي الى اطاحة صدام ونظامه. وهم في الواقع يتحفظون على هذه الحرب خشية ان تتسبب في سقوط المزيد من الضحايا ووقوع المزيد من الدمار في بلد لم يعد فيه متسع لضحايا ودمار بعدما اخذ كفايته، وازيد كثيرا، من الضحايا والدمار في حروب صدام التي تتابعت على مدى ثلاثة عقود في دورة جهنمية بالغة الشدة، بالغة القسوة، بالغة الضراوة، احرقت الاخضر واليابس حقا وفعلا والتهمت حاضر العراق وبعض مستقبله، بل حتى ماضيه الذي نهبت آثاره وبيعت بتدبير واشراف من اركان نظام صدام.

ويخشى المتحفظون ايضا ألا تؤدي الحرب، بعد تحمل معاناتها وضحاياها وخسائرها، الى اطاحة نظام صدام، كما حصل في حرب 1991 حينما خذلت قوات التحالف الشعب العراقي الذي انتفض بغالبية عربه وكرده وصولا الى مشارف بغداد ثم تركته تلك القوات صيدا سهلا لوحش بغداد الجريح.

ويخشى المتحفظون العراقيون كذلك ألا تصنع الحرب الجديدة فصل الختام السعيد لمحنة الشعب العراقي الطويلة.. يخشون ان تنتهي اللعبة باحلال دكتاتور جديد محل الدكتاتور القديم، فكأننا لا رحنا ولا جينا، فالمتحفظون العراقيون يعرفون، كما يعرف العالم كله، ان الكلام الاميركي ـ البريطاني المتواتر حاليا عن ديمقراطية في العراق ونظام ديمقراطي تعددي يخلف نظام صدام لا يعادل في قيمته قيمة حصاة في حجم رأس الدبوس ما لم يتحقق هذا الكلام بالفعل. فما اكثر الشواهد والادلة على سياسات ومواقف اميركية وبريطانية اطاحت حكومات ديمقراطية منتخبة ورفعت الى السلطة دكتاتوريين منبوذين. وصدام حسين نفسه لم يخرج سليما، بل متنمرا، من حربه الخائبة ضد ايران، ولم يصبح وحشا نوويا وكيماويا وبايولوجيا كاسرا الا بمساعدة مباشرة من واشنطن ولندن وحلفائهما في الناتو.

واخيرا يخشى المتحفظون العراقيون ان تسفر الحرب القادمة عن هيمنة اميركية ـ بريطانية على ثروات العراق وشؤونه السياسية وان يصبح العراق نهبا لطامعين اقليميين ايضا، واولهم تركيا التي لم تتردد في الافصاح عن مطامعها القديمة في الموصل وكركوك وسائر كردستان العراق، فيغدو العراق كما لو ان لعنة ابدية قد حلت به وكتب على اهله ألا يتنعموا ابدا بخيرات بلدهم الوفيرة بخلاف جيرانهم اهل الخليج.

وهذه التحفظات التي يتبناها في الغالب السياسيون والمثقفون الوطنيون العراقيون هي تحفظات جدية، معقولة ومنطقية، على رغم ان عامة العراقيين تفكر بطريقة اخرى.. بسيطة، لكن لها منطقها الخاص. فهؤلاء يرون ان الحرب الجديدة، اذا وقعت، فانما نتيجة لسياسات نظام صدام، فهي مجرد حرب اخرى في الحروب التي اشعل صدام، فتيلها وسعّر اوارها، وهي مهما كلفت من ضحايا بشرية وخسائر مادية فان كلفتها لن تتجاوز الاكلاف الباهظة للحروب السابقة، لكنها ـ اذا كان الهدف الحقيقي لها اطاحة نظام صدام ـ ستخلصهم هذه المرة من الوحش الاسطوري الجاثم على صدورهم والناشب انيابه ومخالبه في اعناقهم وبطونهم.

عامة العراقيين لا يتصورون وجود نظام في العالم اسوأ من نظام صدام ولا حاكم اقسى من صدام. وهم يتوقعون ان «كرزاي العراق» مهما يبلغ من السوء لن يصل الى مستوى صدام الذي اهان الشعب العراقي واذله وحط من كرامته على نحو غير مسبوق لا في تاريخ العراق ولا في تاريخ العالم بأسره.

ولا يتخيل عامة العراقيين ان الشركات الاميركية والبريطانية، مهما طمعت في نفط بلادهم، ستنهب كل هذا النفط من دون ان تترك لهم ولو نسبة ضئيلة من عوائده، وهم يفكرون ان هذه الحال المتخيلة، على سوئها، هي افضل من الحال مع صدام الذي كلفت حروبه من الخسائر المادية وحدها اضعاف ما جناه العراق من نفطه مند البدء بانتاجه وبيعه مطلع القرن الماضي حتى الان.. عدا عن الخسائر البشرية التي لن تعوض ابدا.

باختصار.. عامة العراقيين يرون ان اطاحة صدام تفتح امامهم ابواب الخروج من جهنم التي القى بهم صدام فيها منذ اكثر من ثلاثين عاما.. وهم يريدون هذه الاطاحة اليوم قبل الغد ولو بالحرب التي تفزعهم كثيرا ويبغضونها كثيرا.. لكن ليس اكثر من صدام.

[email protected]