المشكلة الألمانية

TT

في لقاء جرى بمبنى «أكسل سبرينغر» في مدينة هامبورغ الألمانية يوم 27 أغسطس الماضي مع 30 أميركياً صديقاً لألمانيا، سئل وزير الدفاع الألماني السابق الذي عُزل اخيرا من منصبه لمخالفات مالية، عن سبب معارضته الصاخبة لحملة الرئيس الأميركي بوش الهادفة إلى إسقاط صدام حسين.

قال رودلف شاربنغ إنه أجاب على هذا السؤال في اجتماع للوزارة الألمانية: إنه بسبب اليهود. فبوش مدفوع لإسقاط صدام حسين بسبب حاجته إلى كسب، ما سماه شاربنغ، بـ«اللوبي اليهودي شديد القوة» إلى جانبه في انتخابات الكونغرس المقبلة إذ يحتاج أخوه جيب بوش إلى أصواتهم في ولاية فلوريدا، مثلما فعل جورج باتاكي في نيويورك، وإعادة تنظيم المناطق لأغراض انتخابية جعل الأصوات اليهودية أساسية للسيطرة على الكونغرس. وأضاف شاربنغ لجمهوره المحبَط أن ألمانيا رفضت سمسرة من هذا النوع.

هذا النوع المتعصب من التحليل هو نموذجي للطريقة التي تهدم ألمانيا فيها تحالفها الأطلسي. إذ يبدو اليوم أن شرودر الذي يخوض حملة لإعادة انتخابه يوم الأحد المقبل، حريص على الظهور بمظهر المتعاطف مع العرب أكثر من الجامعة العربية نفسها. بل حتى لو أن كوفي أنان نفسه رفع بندقية وقاد الهجوم على العراق باسم الأمم المتحدة فان ألمانيا لن ترسل جنديا واحدا لإسقاط صدام حسين.

الحقيقة المرعبة هي أن السياسيين الألمان الذين يتحركون وفق استطلاعات الرأي متأكدون من أن تصادما مع الولايات المتحدة هو المفتاح الموصل لتحقيق الفوز في الانتخابات. وشرودر يقوم بذلك لحرف الناخبين عن بلوغ البطالة نسبة 10 في المائة وهبوط معدل النمو إلى 0.5 في المائة سنويا والخلاف حول لون شعره. أما منافسه نصف المحافظ ادموند ستويبر فأعرب عن استهجانه من المعاداة للولايات المتحدة، لكنه متخوف من اتخاذ موقف واضح ضد هتلر منطقة الخليج.

وبغضّ النظر عمّن سيفوز في الانتخابات فان العلاقات الألمانية ـ الأميركية ستضعف، وردنا لا يمكن أن يكون مطالبة ألمانيا بدفع ما كلفته خطة مارشال لإعادة تعميرها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. بل يجب أن تكون لإعادة تقييم وجود قواتنا العسكرية في أوروبا، والذي كان قبل نصف قرن «لإبقاء روسيا خارجها وألمانيا تحتها وأميركا فيها». لكن مع دخول روسيا أوروبا وصعود ألمانيا هل على أميركا أن تخرج من أوروبا؟

فمن بين المائة وعشرين ألف جندي أميركي في أوروبا هناك سبعون ألفا منهم في ألمانيا (وهذا يشمل أولئك العاملين في الدبابات والأجهزة العتيقة لمواجهة الجيش الأحمر الذي لم يعد له وجود). إضافة إلى هذا العدد من الجنود هناك عدد مماثل من الأميركيين إلى جانبهم في أوروبا حيث ينفقون الدولارات الأميركية.

لماذا؟ قال لي مسؤولون من البنتاغون إنهم بدأوا بإعادة النظر في توزيع قواتنا على المستوى العالمي بحيث تكون قادرة على التحرك السريع للتوجه إلى أي مكان في العالم لمواجهة تهديد محدد.

لكن هل فقدت ألمانيا أهميتها كخط دفاعي أول للولايات المتحدة؟ ففي حال هدير الدب الروسي، هل سيكون بإمكان النسر الألماني أن يزعق؟ يوم 1 أكتوبر ستنتشر قواتنا المسلحة في أوروبا جنوبا لتصل حتى مضيق رأس الرجاء الصالح. وفي عمليات الترتيب الجديد لمواقع قواتنا، كيف ستكون حرية حركتها؟ فالسعوديون منذ فترة طويلة هددوا بتقييد حركة قواتنا إلى حدود القواعد التي تقيم فيها، وهذا ما أجبرنا على بناء قاعدة أخرى في قطر. وهل ستثبت ألمانيا في حال تحولها إلى بلد ناشط معاد للعسكرة إلى نقطة غير صالحة لإطلاق العمليات من أراضيها؟

أستطيع أن أفهم لماذا فضل الألمان تطوير نظام الخدمات الاجتماعي على الدفاع العسكري، ليعبروا بعد ذلك عن غضبهم من هيمنة القوة العظمى. أنا أعبر عن غضبي أيضا من الهيمنة الألمانية في ميدان النشر. وقليل من الأميركيين يعرفون أن شركتين ألمانيتين تسيطران على موقع أساسي في الولايات المتحدة.

هل علي أن أعبّر عن سخطي لسيطرة أثرياء ألمان على سوق الكتب في أميركا واسميها امبريالية ثقافية. كل الكتاب الأميركيين ينظرون إلى الأمور بهذه الطريقة، لكنني أراها من خلال منظار الربح فقط، بدون أن تكون هناك حاجة لألمانيا كي تساعد اللوبي المسلم في الولايات المتحدة.

تصاعد المشاعر المعادية لأميركا في ألمانيا هو مشكلة صغيرة للأميركيين الذين يستطيعون أن يغادروا ألمانيا. إنها مشكلة كبيرة للألمان.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»