إلى أين يريد شارون الوصول في تدمير السلطة الفلسطينية؟

TT

لست ادري هل شاهد الرئيس بوش وغيره من الرؤساء وكبار المسؤولين في العالم صور اقتحام الدبابات الاسرائيلية لرام الله ومحاصرة السلطة الفلسطينية ورئيسها ونسف كل الابنية من حولهم؟ وهل احسوا بما احس به كل عربي وكل مسلم بل كل انسان في العالم شاهد هذه الهجمة النازية على شعب اقر له بحق تقرير مصيره واعترف له بحق اقامة دولته ومنح رئيس سلطته المؤقتة جائزة نوبل للسلام ولم يبق رئيس دولة واحد في العالم، حتى الاسرائيليون، لم يعامله كرئيس دولة؟ ترى ما الذي ارتكبه ياسر عرفات والشعب الفلسطيني ليستحقا هذا التعامي العالمي، وهذا الصمت او شبه الصمت العربي والاسلامي على ما يتعرضان له؟

لقد تظاهر الفلسطينيون تأييدا لزعيم نضالهم ورئيسهم. وقام اكثر من رئيس او مسؤول عربي باتصالات ابرزت اهتمامهم وقلقهم مما حصل ويحصل. وحتى نظارة الخارجية الاميركية «لم تخف تحفظها على اعمال العنف التي تصعد النزاع ولا تحله»، ولكن هل الغضب والاهتمام والمساعي التوسطية والتظاهر والقلق.. هي كل ما لدى الدول العربية والاسلامية والمجتمع الدولي من وسائل لوقف عملية اغتيال الشعب الفلسطيني؟

لقد نجحت عملية 11 سبتمبر الارهابية، في نقل الاضواء عن القضية الفلسطينية وتسليطها على الارهاب والارهابيين، كما نجح شارون في جعل الادارة الاميركية تعتبر المقاومة الفلسطينية جزءا من الارهاب بل نجح في ما هو اخطر، اي القيام بعمليات اغتيال للقياديين الفلسطينيين، تبعا لتوقيت مدروس، كان من شأن رد الفلسطينيين عليها بالسلاح الوحيد الذي لديهم، اي العمليات الانتحارية، خسارة ما كسبته الانتفاضة من عطف عالمي على الكفاح الفلسطيني، كما نجح في اقناع الرئيس بوش بان عرفات هو الذي يقف في درب السلام، وان ما ترتكبه اسرائيل هو «دفاع عن النفس».

ان كل شيء يؤشر الى ان «مسألة العراق» تتقدم، عند واشنطن، على قضية السلام في المنطقة وقضية حقوق الشعب الفلسطيني، بل حتى قضية وقف تدمير الشعب الفلسطيني ومؤسساته، فلاقل بكثير مما فعلته اسرائيل في فلسطين تدخلت واشنطن في يوغوسلافيا وغيرها من الاماكن والحالات. وبالرغم من ان الادارة الاميركية تظاهرت بالمرور بالامم المتحدة قبل الهجوم على العراق، وان النظام العراقي قبل بعودة المفتشين، فان الاستعدادات العسكرية الاميركية لشن حرب على العراق ماضية على قدم وساق. وكل شيء آخر ما هو الا كسب للوقت اللازم لاستكمال جهوزية القوات العسكرية الاميركية (ثلاثة او اربعة اشهر). تماما كما حصل عام 1991.

اما الاستعدادات السياسية الاميركية السابقة او المرافقة للمعركة الحربية، فقد بدأت تظهر في الهجمة الدبلوماسية والضغوطات المعنوية الممارسة على عدة دول عربية واسلامية، وفي مقدمها السعودية ومصر وسورية وايران.

من ترى يسبق الآخر، بوش في ضرب العراق ونظامه؟ ام شارون في «الغاء السلطة والقياديين الفلسطينيين؟ ان العلاقة بين العمليتين لا تحتاج لشرح او تأكيد ولكن السؤال الذي يبحث فعلا، عن جواب، يبقى: ماذا بامكان الدول العربية والاسلامية ان تفعل لمنع واشنطن وتل ابيب من تحقيق مخططيهما او مخططهما المشترك؟

ان واشنطن وتل ابيب ما كانتا لتقدما على هذا التحدي الصارخ للفلسطينيين والعرب والمسلمين، لو لم تكونا واثقتين من ان اقصى ما يمكن ان تقوم به الدول العربية هو ما قامت به حتى الآن. اي لا شيء كثيرا اما عدم تجاوبهما مع خطة السلام العربية التي اقرتها قمة بيروت، (اين منها اللاءات الثلاث)، فدليل آخر على معرفة اعدائنا، افضل منا، باحوالنا وقدراتنا واسباب تفرقنا، وعجزنا. ان الحكومة الاسرائيلية «اخبث» من ان تغتال عرفات او تخرجه وقيادته وحكومته من فلسطين. ولكنها تريد ان تجعله امام خيار واحد وهو القبول بشروطها للسلام. ومن بينها قيام دولة فلسطينية، ولكن دولة غير سيدة وغير مستقلة وتابعة لوزير الدفاع الاسرائيلي.

ان الرئيس بوش من جهة، وشارون، من جهة اخرى، اوقعا الدول العربية في مأزق تاريخي، سياسي مثلث الاخطار: فلئن هم انبروا الى اي نوع من المقاومة او الحرب، وهم فيما هم عليه من قلة الاستعداد، حل بهم ما حل بهم، في المجابهات السابقة، من هزائم، ولئن سكتوا وتركوا العاصفة تمر، تعرضوا لغضب شعوبهم ونقمتها. ولئن هم تراجعوا امام شارون وسكتوا عن ضرب العراق، او ساعدوا فيه، زادت النقمة ونشبت بين الشعوب الاسلامية والعربية وانظمتها نزاعات عنيفة ترى هل كانت كل هذه التداعيات واردة في ذهن الذين نظموا او قاموا بعملية 11 سبتمبر؟ هل كان هدفهم الانتقام من الولايات المتحدة وجرحها وايلامها فقط؟ ام كانت، ايضا، ايصال الانظمة الحاكمة في الدول العربية والاسلامية الى هذا المأزق، ومن اجل احراجها واخراجها؟

ان الشرق الاوسط ومعظم الدول العربية والاسلامية تواجه، اليوم، اخطر موقف عدائي لها من قبل الولايات المتحدة الاميركية. وبالرغم من كل «التمييزات» و«التجميلات» التي ادخلت عليه، فان الاستراتيجية الاميركية الجديدة رسمت حول هدف رئيسي، حل محل استراتيجية «توازن الرعب» مع العدو السوفياتي الشيوعي، الا وهو الخطر الاسلامي الاصولي، ارهابيا كان ام حضاريا، واول الاهداف التكتيكية هو تغيير النظام العراقي بأي شكل من الاشكال، وضرب كل الجماعات الاسلامية الراديكالية والسماح لاسرائيل بـ«تدجين» القضية الفلسطينية وضرب المقاومة الفلسطينية، ومع كل الاحترام والتقدير لكل ما بذل فلسطينيا وعربيا واسلاميا، لا يبدو ان هناك، حتى الآن، خطة ـ ولا نقول قدرة عربية او عربية ـ اسلامية، مشتركة لوقف تنفيذ هذا المخطط الاميركي كي لا نقول الاميركي ـ الاسرائيلي لسوء الحظ.