انتخابات الإشارات الدالة والقوية

TT

أكاد أجزم ان الانتخابات التشريعية التي سيعرفها المغرب يوم 27 سبتمبر (ايلول) الجاري، اذا استمرت الروح التي تدار بها حتى الآن، الحملة الانتخابية، فانها ستكون انطلاقة لمغرب آخر بوجه جديد، هو مغرب الديمقراطية والحداثة والتقدم.

فهذه الانتخابات تجري اليوم في بلادنا، في اطار شروط جديدة، وبشكل مغاير لما الفناه في السابق، ذلك ان المغرب يمر الآن من مرحلة الانتخابات التي كان يشوهها التزوير والتدليس والعنف واستعمال المال، حلاله وحرامه، دون ان يهتم احد بما كانت تقوله وتجهر وتندد به الاحزاب الوطنية الديمقراطية، لتنتقل الى مرحلة حاول فيها المسؤولون السياسيون، في احزاب الصف الوطني الديمقراطي، وكذا المسؤولون الحكوميون المشرفون على هذه الانتخابات، ايجاد آليات كفيلة بمنع التزوير. بيد أن كل تلك الآليات والوسائل لم يكتب لها ان تأتي بأية نتيجة.

اما المرحلة الثالثة التي وصلها المغرب، فتجسدها انتخابات اليوم التي تعتبر الانتخابات الاولى التي تجري في عهد الملك محمد السادس، الذي يعرف الجميع انه منذ اول يوم من ايام ملكه، اعطى الاشارات الدالة والقوية، بل رسم توجهات استراتيجية كبرى لبناء صرح الديمقراطية الحقة، على اساس انتخابات شفافة ونزيهة، وكذلك بناء مجتمع جديد يسود فيه مفهوم جديد وحداثي للسلطة.

وهناك ملاحظة ثانية تتمثل في كون هذه الانتخابات التي تجري اليوم في بلادنا، تأتي بعد اربع سنوات وبضعة أشهر من عمل حكومة التناوب التوافقي، والتي راهنت منذ تأسيسها بمبادرة من الملك الراحل الحسن الثاني، ان تجري الانتخابات بكل شفافية ونزاهة، بحيث لا يكون لأحد مطعن فيها.

وهذا الحرص الذي يرقى الى درجة الالتزام، ورد ضمن البرنامج الحكومي الذي قدمه الوزير الاول عبد الرحمن اليوسفي امام غرفتي البرلمان.

واليوم ايضا يوجد على رأس وزارة الداخلية، وزير معروف لدى الجميع بتواضعه وانفتاحه، وسعة صدره، وحرصه على التواصل واقامة جسور الحوار المجدي والبناء، وهو الموكول اليه الآن امر التدبير الفعلي والميداني لملف الانتخابات، من اجل بلورة التوجيهات السامية لعاهل البلاد في هذا الشأن، وكذلك تجسيد الارادة الحقيقية لحكومة التناوب في اجراء انتخابات نزيهة.

ويمكنني ان اقول بلا تردد، انه لاول مرة في تاريخ المغرب تجري الانتخابات في جو من الانفتاح والشفافية، واحترام القانون، واستعمال وسائل الاعلام والاتصال المسموع والمرئي بقوة وفعالية، من اجل تحسيس المواطن المغربي بواجبه وحقه الذي انتزع منه بالاكراه والتزوير تارة، وبتأثير المال الحرام تارة اخرى، وبذلك انتهكت ارادته، ونتجت عن ذلك مؤسسات تمثيلية لا تحظى باحترام الشعب.

ومن سمات انتخابات اليوم كذلك انها تجري بدون حاجة الى لجان مركزية او محلية للمتابعة والمراقبة، ولا الى هيئات التشكي، لانها تجري عمليا وميدانيا في ظل القانون والقانون وحده، وهذه نقلة نوعية هائلة وطفرة حضارية مهمة، تعطي لبلادنا ولشعبنا تميزا ومناعة على طريق ترسيخ الاسس الديمقراطية لمجتمعنا.

وبجملة واحدة، علينا هذه المرة ان يكون اختيارنا نزيها وشفافا ومسؤولا، ويجب ان تكون القطيعة حاسمة مع الماضي السيء الذي شابته الخروقات الانتخابية، حتى نصل من خلال انتخابات اليوم الى خريطة سياسية حقيقية، تعكس الصورة الفعلية للقوى السياسية، وانذاك سنكون سعداء، لان الانتخابات النزيهة ذات المصداقية ستزيل كل تنابز في شأنها، كما ستمحو من القاموس السياسي والاعلامي المتداول في بلادنا، اوصافا ونعوتا سلبية، من قبيل هذه احزاب ادارية مصنوعة، وتلك احزاب وطنية حقيقية، الى آخر ما تعج به الساحة السياسية عندنا من اوصاف ونعوت.

وهكذا يمكن القول إنه اذا تواصلت هذه الروح التي تجري في ظلها انتخابات اليوم، فاننا سنكون امام ميلاد جديد للمشهد السياسي بالمغرب، وستصبح الاحزاب السياسية ايا كانت تمثيليتها قوة حقيقة، وستكون الخريطة السياسية فعلية وحقيقية وأكثر مصداقية، وبالتالي سنكون في تصوري امام فرصة مواتية، لقيام حكومة قوية ومنسجمة وفعالة وقادرة على الدفع بعجلة التقدم الاقتصادي والاجتماعي لبلادنا وإرساء أسس مجتمع عادل، له مناعة وله قدرة على رفع كل التحديات.

* عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، ووزير الشؤون الادارية