عن العراق.. عن الهند.. عن العالم

TT

التقينا، الزميل سليم نصار وانا، الأستاذ محمد حسنين هيكل ظهر الاثنين، في ردهته المفضلة في فندق «الكلاريدج». واذا اجتمع ثلاثة هذه الأيام كان رابعهم العراق. وأراد هيكل تواضعا، ان يصغي حول اشياء يعتقد ان لنا، الأستاذ نصار وانا، اطلاعا عليها او معرفة بها. وعرض كل منا جانبا من جوانب القضية في صورة عامة، ليس من حقي ان اكرره هنا. لكنني كنت ثالث المتحدثين. وقلت للأستاذ هيكل ان العنصر الأهم في المسألة الحالية، ليس الوضع العربي الذي لم يتطور او يتبدل، ولا الوضع في العراق الذي يعتقد ان السياسة تقوم فقط على المنازلة بصرف النظر عن توازن القوى وحتميات النتائج، بل ان العنصر الأساسي في كل هذا المشهد، هو التغيير الذي طرأ على النهج السياسي الاميركي. لقد حدث انقلاب هائل في البيت الأبيض لا نزال نرفض ان نصدقه مع ان جورج بوش وأركانه يتحدثون عنه كل يوم. والورقة، او المطالعة الاستراتيجية، التي صدرت في 33 صفحة، هي خلاصة معلنة لفكر وسياسة ومشروع جورج بوش ما دام في البيت الأبيض. وهذا «المبدأ» ليس مطروحا على العراق كي تقرأه بغداد. بل هو مطروح كي تقرأه اولا فرنسا وثانيا روسيا وثالثا الصين. وعلى الاميركيين ايضا ان يقرأوه. فالمناقشة الكبرى له سوف تكون في اميركا نفسها. لأن جورج بوش ينقل بلاده عمليا وعلنيا الى حال طوارئ دائمة او حالة حرب عندما يعلن انتهاء «سياسة الاحتواء» لتحل محلها سياسة الوقائية. وتفسير ذلك عمليا الحق الذاتي في تأديب كل من تقرر اميركا انه خطر عليها او على موقعها كمرجع ـ وربما كسلطة ـ احادي في العالم. إذ يفهم من مقابلة لمستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس، مثلا، انه بدلا من ان تصرف الصين اموالها على تطوير قوة نووية، يجب ان تخصص تلك الأموال للتنمية والتطوير ورَّد الفقر عن 600 مليون مواطن.

وقد يكون ذلك صحيحا في عالم مثالي يوطوبي، ولكن ماذا يحمي الصين في عالم مدجج بالقوة النووية وخزانات الأسلحة الجرثومية؟ تقول السيدة رايس في المقابلة نفسها ان الهند مؤهلة كدولة ديموقراطية لأن تلعب دورا مهما في العالم. اي في آسيا. ولكن الهند هي العدو الأول للصين عسكريا وهي المنافس الأول لها اقتصاديا. وقد كتبت في هذه الزاوية منذ سنوات، اتساءل كيف تزدهر الصين الشيوعية الى هذا الحد، فيما تبقى الهند متعثرة خلفها، برغم فارقين اساسيين جدا. الأول النظام الديموقراطي. والثاني أن الهند دولة تتكلم الانكليزية وتعمل بها وبها ايضا تضع اهم برامج الكومبيوتر في العالم.

وما دامت المناسبة قد حضرت فأنا مدين باعتذار للأستاذ يوسف الشيراوي لن يمضي عليه الزمن. فقد كتب مقالا مطولا في «الشرق الأوسط» منذ سنوات يطرح فيه فكرة الاتجاه الى الهند. ويقول ان علاقات الخليج بالهند قديمة ولا يقتضي الأمر اكثر من تجديدها لأن الهند الحديثة مقبلة على نهضة كبرى. ويومها كتبت هنا، مداعبا كالعادة، باعتبار ان الهامات الكبرى وحدها تتحمل الدعابة الراقية والمحبة. اما القامات الضئيلة والجوفاء فترى في الدعابة تحريضا لا اقل. وانا اعتذر للشيراوي العزيز، وابلغه ان هيكل يذهب الى ابعد مما ذهبت اليه كوندوليزا رايس. فهو لا يرى ان للهند دورا في العالم فحسب بل يتوقع لها دورا في الخليج وبحر العرب. الاميركيون يعيدون على ما يبدو، النظر في كل اوراقهم القديمة.