الصورة من البصرة

TT

لكي تفهم ان غزو العراق ليس بالسهولة التي يتوقعها البيت الابيض، ادفع عشرين دولارا (تذكرة عودة بالطائرة) واركب طائرة تابعة للخطوط الجوية العراقية التي تنطلق من بغداد مباشرة عبر «منطقة حظر الطيران» التي تفرضها اميركا، الى البصرة في الطرف الجنوبي للعراق.

ورغم ان الطائرات الحربية الاميركية مكلفة باسقاط اية طائرة تدخل تلك المنطقة، فإن العراقيين حولي في غاية البرود. انهم يعرفون ان المقاتلات الاميركية لن تهاجم ابدا طائرة مدنية «ان شاء الله».

ويشرح طيار عراقي اصابته الدهشة من قلقي: «في بعض الاحيان تحذرنا طائرات الاواكس الاميركية عبر الراديو، يقولون: انتم تدخلون منطقة حظر الطيران ويجب العودة». ونرد عليهم: «هذا هو المجال الجوي العراقي وسنطير عبره».

ان ضبط النفس الاميركي هو الورقة العراقية الرابحة في الحرب، فالعراق يعلم ان الولايات المتحدة لا يمكنها قصف المدارس والمساجد والاحياء السكنية. ولذا فلديها العديد من الاماكن لاخفاء اسلحتها. وفي حرب الخليج الاخيرة، تمكنا من تدمير عدو كان يقف في الصحراء المكشوفة، ولكن في هذه المرة فان العراق يبدو مصمما على منطلق مختلف.

انطلقت من البصرة الى الحدود الكويتية على ما يعرف باسم «طريق الموت» لمشاهدة كيف سيتولى العراقيون طريق الغزو الرئيسي بالنسبة للقوات الاميركية. كان الوجود العسكري الوحيد هو مجموعة قليلة من الحرس على اطراف البصرة، يشبه ما يمكن ان تتوقعه على مدخل مدرسة عليا اميركية في مدينة من المدن.

هل يعني ذلك ان العراق غير مستعد للغزو؟ لا اعتقد ذلك.

إذ بدلا من حماية حدوده، فان العراق سيخفي جيشه داخل المدن، حيث ستكون الغارات الجوية فعالة فقط بثمن غير مقبول (للاميركيين) في الوفيات بين المدنيين. ولصدام حسين مكان للاختفاء افضل من كهوف اسامة بن لادن في تورا بورا: مدينة بغداد المزدحمة، التي يقطنها خمسة ملايين نسمة، وحيث لا يقضي ليلتين في نفس المكان.

ويقول مسؤول عراقي «ان الاميركيين جيدون في القصف. ولكن في يوم من الايام سيضطرون الى الهبوط للارض. وعندئذ سننتظر. فكل عراقي يحمل بندقية في يده، كلاشينكوف في العادة. وكل عراقي لديه خبرة قتالية. ولذا فلننتظر ماذا سيفعل الاميركيون عندما يقاتلون في شوارعنا».

ربما يصبح ذلك كابوسا. فكما كشفت حرب الخليج الاخيرة، فان حملة القصف يمكن ان تهدم الجسور والثكنات، ولكن، إن لم نكن محظوظين فلن نقتل صدام، ولن نتسبب في انقلاب يقضي على قوات الحرس الجمهوري. وسنضطر لملاحقة صدام، وهو الامر الذي يمكن ان يكون صعبا مثل صعوبة العثور على اسامة بن لادن في افغانستان، واكثر دموية.

تجربتنا السابقة مع حرب الشوارع تمثلت في المواجهات التي خاضتها القوات الاميركية ضد العصابات المسلحة في العاصمة الصومالية مقديشو، الا ان القوات الاميركية ستواجه هذه المرة جيشا ربما يملك اسلحة كيماوية وبيولوجية ويقدر بحولي 400 ألف جندي وضابط نظاميين الى جانب سبعة ملايين مسلح آخرين تابعين لميليشيا القدس.

ويقول عضو ميليشيا القدس بمدينة النجف، كرار حسن (22 عاما)، انه اكمل لتوه دورة تدريبية على حرب الشوارع، بما في ذلك القتال من بيت الى بيت وحتى من فوق الاشجار. وقال كرار انه سيحارب الاميركيين حتى آخر قطرة من دمه، وهذه عبارة تسمع هذه الايام في كل مكان بالعراق.

اما المزارع حكيم الخال بكربلاء، فقد قال: «اذا حاول احد تهديدنا، فاننا نعرف كيف نرد»، ثم ادخل يده تحت قميصه واخرج مسدسا.

غالبية العراقيين لا تكن حبا فيما يبدو لصدام حسين، وربما تختبئ الغالبية داخل المنازل خلال الحرب، ولكن اذا كانت هناك قلة متبجحة، يجب الانتباه والتعامل بحذر. يضاف الى ما سبق ان هناك قبائل مسلحة بمدافع المورتر والبنادق الآلية لإلحاق اضرار بجيش الاحتلال الاميركي اذا لم تستطع وقف زحف الدبابات صوب بغداد.

ربما يتم الغزو الاميركي بكل سهولة في نهاية الامر، فالجيش العراقي يقدر الآن بنصف حجمه خلال حرب الخليج الثانية عندما انهار خلال مائة ساعة فقط من انطلاق الحرب البرية، اضافة الى ان القوات الاميركية الآن اكثر قوة مقارنة بالسابق. فاذا قررت واشنطن غزو العراق، ينبغي ان تكون جاهزة لأسوأ السيناريوهات في ما يتعلق بحرب الشوارع مع وجود مدنيين، مثل المزارع حكيم الخال، يمكن ان يوجهوا نيران اسلحتهم الى قواتنا.

هل الولايات المتحدة على استعداد بالفعل لتقبل خسائر، ربما بالآلاف، نتيجة غزو ثم احتلال ربما يستمر عدة سنوات؟

* كاتب وصحافي أميركي ـ خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»