المرأة.. صنيعة من؟!

TT

الحياة العصرية عبارة عن ايقاع سريع، الجميع يلهث خلف مطالبه، يتساوى في ذلك الرجل والمرأة على حد سواء، وطغت الماديات على اسلوب التعامل بينهما، وغدت المشاعر والعواطف من ارث الماضي الجميل، نشاهد فصولها الساخنة في افلام الابيض والاسود، والمسلسلات المدبلجة فقط!! وانشغلت المرأة بهذا المفهوم الواقعي، وصارت تهرع في الاتجاهات كافة، فهي تسعى لتحقيق ذاتها من جهة، والى السيطرة على الرجل من جهة ثانية، والى تأمين حياتها من جهة ثالثة، حتى تحولت الى طير حائر، يرفرف بجناحيه باحثا عن عش ملائم له، فطال به الانتظار ووهن جناحاه من كثرة الطيران!!

المرأة العصرية صنيعة من؟! هل هي بالفعل صنيعة عصرها الذي يحكمه منطق المصالح؟! هل هي صنيعة الرجل حسب رأي البعض، على اساس ان المرأة تفكر من خلال الاتجاه الذي يفكر فيه الرجل لتضمن إحكام قبضتها عليه، ام انها كلمة مطاطية المضمون؟! هل المرأة كما ترى الكاتبة فاطمة المرنيسي، رمز ومرآة تعكس احوال المجتمع، وان الصورة التي اصبحت عليها المرأة العربية اليوم، ما هي الا ظاهرة من ظواهر الانحطاط العربي؟! اذا سلمنا برأيها، ألا يعد هذا مخالفا للحال المعيش في المجتمعات الغربية، التي حققت نهضة فكرية وانجازات علمية باهرة. بالرغم من الانحلال الاخلاقي وتحرير الجنس واستعباد المرأة جسديا!! كيف يمكن تفسير هذا التناقض؟! الملاحظ ان العرض صار اكثر من الطلب في دول العالم كافة بلا استثناء، واصبح الرجل الثري بطرفة عين واحدة يحلق حوله سرب من النساء الحسناوات، فهل هذه العروض السخية هي التي ادت الى انحسار اهتمام الرجل بالمرأة المثقفة، وسيطرة المرأة السوبر على الرجل، واعني بها المرأة الجميلة التي تتصدر اغلفة المجلات، وواجهات شاشات الفضائيات؟! هل هذه الاخطار المحدقة بالمرأة من بنات جنسها، والعيون الجريئة التي تغري الرجل علانية باقتحام هودجها، دفعت الكثير من الزوجات الى وضع النقاط على الحروف قبل ان يلجن باقدامهن اعتاب الحياة الزوجية؟! لماذا اصبحت الثقة معدومة بين الرجل والمرأة، الى درجة ان كلا منهما بات يفكر في قائمة المكاسب التي سيحصل عليها بعد وقوع الطلاق، وهما لم يخلعا بعد ثياب عرسهما، والمدعوون لم ينصرفوا!! هل هي بالفعل ازمة ثقة؟! ام نتيجة انحدار اخلاقي؟! ام انها نتاج عصري؟!

الجواب يحتاج الى مجلدات، وقد حاول الفلاسفة والمفكرون على مدار التاريخ، فك لغز المرأة، كأن المرأة وحدها هي اصل المشكلة!! ان الرجل ايضا لغز محير في حياة المرأة، خاصة في مجتمعاتنا العربية التي اصبح فيها الكثير من الاشياء مباحا، لكنه مغلق السرية، مما ادى الى غموض جذري في مفهوم العلاقة بين الرجل والمرأة!!

قابلت في لندن عددا من السيدات العربيات، اللائي اتين الى بريطانيا لرفع دعاوى طلاق على ازواجهن، وبلا استثناء جميعهن كن متزوجات من رجال اثرياء، ووكلت كل واحدة منهن محاميا لامعا لقضيتها حتى تضمن الحصول على اكبر قدر ممكن من المكاسب، بحكم ان عقد الزواج تم في بريطانيا. وقد دار بيني وبينهن نقاش طويل.. لماذا المطالبة بحقوقهن هنا وليس في بلادهن!! واتفقن باجماع على ان جلَّ المجتمعات العربية تقف دوما في صف الرجل حتى لو كان هو الجاني، والمرأة هي الضحية، والتغاضي مع سبق الاصرار والترصد عن حقوق الزوجة التي افنت شبابها بين جدران بيته، مؤكدات أنهن لم يحصلن إلا على الفتات لو طالبن بحقوقهن هناك، وانهن سيخرجن في النهاية من المولد بلا حمص!! ودار الحديث حول أهمية تطعيم الحياة الزوجية بطعم العواطف والمشاعر، وكان الرد ساخرا.. انها اضحت موضة قديمة!! وسألتني احداهن.. لماذا المطلوب دوما من المرأة ان تقدر العلاقة الزوجية السامية حتى لو رماها الرجل بملء يديه من اعلى ناطحة سحاب؟! وسألتني أخرى.. لماذا لا تطالبين الرجل العربي من خلال مقالاتك، ان يراعي الله في زوجته اذا عاف رائحتها، أو هجرها ليرتمي في احضان أخرى اصغر سنا؟! ثم تطرق الحديث حول الابناء وانهم يدفعون الثمن في كثير من الاحيان، خاصة بعد تشتت الاسرة، وقيام بعض الازواج بحرمان الأم من رؤية ابنائها كعقاب رادع لها لوقوفها امامه والتشهير به في ساحات القضاء.

ماذا جرى؟! ماذا حصل؟! لماذا هذا السباق المحموم بين الرجل والمرأة؟! ان الامر لم يعد يقتصر على المجتمعات العربية، هذه الظاهرة الهوجاء تأجج سعيرها ايضا بين النجوم والمشاهير، الذين غدوا يتفقون على بنود الطلاق وهم ما زالوا يقسمون على الوفاء!! من الواضح ان تأمين الحياة أضحى «البعبع» الذي يلوح بشواربه المفتولة في وجه المرأة، خاصة اذا كانت المرأة قد تعودت على مستوى اجتماعي ومادي معين، حيث ان فقدان الممول الشرعي، وبالتالي تلاشي الحياة المرفهة التي عاشتها، قد يدفعها مضطرة الى سلك طريق الانحدار!! اما مقولة ان المرأة تتطلع الى تأمين حياتها، خوفا من شيخوخة العمر، وصقيع الوحدة، فهذا رأي يجافي الواقع، كون المرأة والرجل على حد سواء يخافان من أرذل العمر، ووحشة الطريق، لأنها مرحلة الانحسار الى مساحة العتمة، التي يجفل منها الطرفان.

هل الوقت فات لتصليح الاعطاب، وتنقية الاشواك العالقة في الشعور الانساني، ام ما زال هناك أمل في التغيير نحو الافضل؟! وعلى يد من سيتم الاصلاح، على يد المرأة أم على يد الرجل، أم على الاثنين معا؟! هل الحياة العصرية بكل الضغوط النفسية، والمطالب الحياتية القاسية، ستسمح بمرور مجرى العواطف من جديد في دروب اضحت بورا؟! ان الامر يحتاج الى وقفة جادة من المؤسسات الاجتماعية كافة، التي للأسف تتعمد دوما اقامة المشانق للمرأة، وقد ساهم الاعلام العربي كذلك في التصويت لصالح الرجل من خلال القاء التهم الحياتية كافة على كاهل المرأة وحدها، وانها المتسببة الوحيدة في انهيار صرح البيت، كأن الحياة امرأة فقط، ثم امرأة فقط، وليست امرأة ورجلا، ورجلا وامرأة!! إذا وعى الرجل جيدا هذه الحقيقة المتوارية، ومزق بقبضة يديه استار هذه الرجولة المزيفة، سيعطي بصدق كما تعطي المرأة، لحظتها ستبنى الثقة من جديد بين الرجل والمرأة، ولن يرقد الزوجان بجانب بعضهما بعينين نصف مفتوحتين!!