مخاوف الاتحاد الأوروبي من انضمام تركيا

TT

للتأكيد على حُسن نياتها، ومحاولة منها لإقناع بلدان الاتحاد الأوروبي بأنها باتت تلميذاً نجيباً يستحق الانضمام إليها، قامت تركيا خلال الصيف الماضي، وبرغم الأزمات السياسية الحادة التي تتخبّط فيها، بإجراء تعديلات مهمة على قوانينها بهدف ترسيخ الديمقراطية، واحترام حرية الرأي والصحافة، كما أنها ألغت الحكم بالإعدام، وسمحت، لأول مرة، بتعليم اللغة الكردية في المدارس الرسمية، وبث برامج باللغة المذكورة في القنوات التلفزيونية، والتخفيف من صلابة القوانين الخاصة بممتلكات غير المسلمين. وعقب مداولات ساخنة ومريرة، قام البرلمان التركي بالمصادقة على هذه التعديلات، متحدياً بذلك بعض الجنرالات الأقوياء الرافضين لها، أو المتردّدين إزاءها. ويقول أحد الديبلوماسيين الأوروبيين المعتمدين في أنقرة، معلّقا على هذه التحولات: «في ظرف يوم واحد، تهاوت محرّمات كثيرة. وداخل الطبقة السياسية الحالية، حدث توافق لم تعرفه تركيا من قبل أبداً. حتى أولئك المتشككين بخصوص الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، مثل أنصار حركة العمل القومي، باتوا على وفاق مع الاتجاه العام، ولا رغبة لهم البتة لوضع العراقيل أمامه». وتقوم الحكومة التركية راهناً بوضع الأسس العادية الكفيلة بإنجاح تطبيق القوانين الجديدة، وهي تهدف من خلال كل هذا إلى إقناع بلدان الاتحاد الأوروبي التي سيجتمع قادتها في العاصمة الدانماركية كوبنهاغن خلال شهر ديسمبر المقبل، من أجل النظر في ضرورة الاتحاد شرقاً ليشمل بلداناً جديدة مثل بولونيا وتشيكيا والمجر، بأنها لبّت جميع الشروط، وبالتالي فإنها لن تقبل أن تظل تعامل مثل «الخروف الأسود» على حدّ تعبير الفرنسيين، أو «النعجة الجرباء» على حدّ تعبير العرب.

غير أن أشياء كثيرة في الأفق تلمّح، إن لم تكن تؤكد، أن الأمر لن يكون هيّناً. ويشير العديد من الملاحظين إلى احتمال انفجار أزمة حادة بين تركيا وبلدان الاتحاد الأوروبي خلال الأشهر القليلة القادمة. فالعديد من السياسيين الأوروبيين الذين يحتلون مراكز مهمة، بدأوا يصرّحون هنا وهناك بأن تركيا لن تستطيع تطبيق ما أقرّته من قوانين جديدة، بحكم ماضيها «الأسود» الطويل في مجال حقوق الإنسان، وحرية الرأي، وغير ذلك. وقال غونتر فارهوغن، المكلف بملف توسيع الاتحاد الأوروبي شرقاً: «لا اعتقد أنهم (يقصد الأتراك) قادرون على الحصول على نتائج إيجابية قبل نهاية العام تخوّل لهم إقناعنا بأنه يحق لهم الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي». ويضيف سياسي أوروبي آخر قائلا: «إن الإعلان عن التعديلات والإصلاحات لا يعني بأي حال من الأحوال أن ذلك يجعل من تركيا في الحين مجتمعاً ديمقراطياً، شبيهاً بمجتمعاتنا الأوروبية». ويؤكد أحد قادة المنظمات الخاصة بحقوق الإنسان، بأن الحكومة التركية لا تزال تنتهك حرية الرأي وحقوق الإنسان، وتدوس في واضحة النهار على الحريات العامة، والدينية. ومقدما الدلائل القاطعة على ذلك، يضيف قائلا: «هناك حوالي 900 شخص يقبعون في السجون بسبب تهم سياسية تتصل بالديمقراطية وحرية الرأي، كما أن التعذيب لا يزال مستمراً. وبالرغم من أن المجلس الوطني الذي أنشئ أخيراً مكون في غالبيته من المدنيين، فإن العسكريين هم المؤثرون الكبار على قراراته».

ويبدو أن عدد المعارضين لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي يزداد ارتفاعاً يوماً بعد يوم، وهؤلاء يقدمون مبررات كثيرة لذلك، منها مثلا أن أوروبا ستدفع الثمن غالياً بسبب ذلك. وبحكم أنها بلد مسلم فإنها لا تستحق أن تكون لها هوية أوروبية. وتتزعم ألمانيا الشق المعارض، وليس ذلك بالأمر الغريب، فهي البلد الذي يعيش فيه قرابة الأربعة ملايين تركي، وفي حالة انضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي، فإن ملايين من مواطنيها سوف يتدفقون على ألمانيا التي تعيش الآن أزمة اقتصادية لم يسبق لها مثيل. وكان المستشار السابق هلموت كول قد قال عام 1999 بأن «الاتحاد الأوروبي لا بد أن يظل مسيحياً» ملمّحاً بذلك إلى أن انضمام تركيا إليه سوف يكون «خطأ فادحاً». ومن الأكيد أن احداث 11 سبتمبر الماضي، التي كان منفذوها شباناً عرباً، أقاموا في هامبورغ، ضاعفت من خشية الألمان تجاه توسع الاتحاد الأوروبي ليشمل تركيا المسلمة. وخلال الحملة الانتخابية الحالية، لم يشر المرشحان للمستشارية، اي جيرهارد شرودر وادموند شتويبر إلى الموضوع المذكور لا من قريب ولا من بعيد. وقال مارتين شولتز، المسؤول عن الملف التركي داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي: «لا بد من وقت طويل لكي يقتنع الناس بالتحولات الجديدة في تركيا التي لا تزال بلداً غير مستقر ينشطر إلى قسمين: قسم مع الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وقسم ضده. فمن الذي سيربح المعركة يا ترى؟»، ومحمّلا تركيا المسؤولية، يضيف مارتين شولتز قائلا: «ماذا تقول الطبقة السياسية التركية حين تدرك أن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي يفقدها شيئاً من استقلاليتها في مجالات عدة. على تركيا أن تختار ماذا تريد أن تفعل».