من كابل الى بغداد

TT

تحدث الجنرال كولن باول امام مجلس الشيوخ امس الاول عن «اقامة حكومة في بغداد تعيد الازدهار الى العراق بعد الاطاحة بالنظام». وكرر القول «سوف نقيم حكومة..». ثم تنبّه الى الخطأ اللاواعي، فاستدرك قائلاً «ينبغي الا اقول اننا سوف نقيم حكومة هناك بل سوف نساعد على تشكيل حكومة..». لكن اين المشكلة في الأمر، او اين الخطأ؟ فمن يعطي لنفسه الحق في الاطاحة عبر الحرب بحكومة، يمكن ان يعطيها ببساطة، الحق في انشاء حكومة بديلة. وتبقى الصعوبة الوحيدة في ايجاد حقائب كافية لجميع اعضاء المعارضة العراقية الذين اشار الجنرال باول الى استعدادهم للانخراط في اعادة بناء العراق الجديد «مع الحفاظ على كل ذرة من تراب وحدته وسيادته».

من اجل ان نستطيع الحكم على كلام الجنرال باول حول اعادة بناء «العراق الجديد»، يجب ان نأخذ نموذجاً ما. على ان النموذج الافغاني لا يوحي بالطمأنينة ولا يبعث السكينة في النفوس. فالرئيس الانيق حميد قرضاي ازدادت اناقته وقلت سلطته، او بقيت على ما هي. فهو اسير كابل فيما زعماء القبائل يحكمون المناطق والجرود. وهو ايضاً اسير حراسه المارينز الذين قتلوا، بنيران صديقة، الرجل الذي رمى نفسه عليه لانقاذه من الرجل الذي يطلق النار. لكن كلاهما، بالنسبة الى النيران الصديقة، كان يرتدي الزي الوطني والثوب الذي يعيش فيه الافغاني طوال عمره وفقره وحياته القاسية في الثلوج والعراء.

كان ينبغي على الادارة الاميركية ان تقدم للافغانيين نموذجها هي للحكم. ان تشق لهم الطرقات وتقيم لهم المستشفيات وتنشر الكهرباء وتنظف المياه وتحرك حوافز الاقتصاد وتدعو حلفاءها الاثرياء الى المساهمة في مشاريع استثمارية تعد الافغاني بأن ثمة ضوءاً في نهاية النفق. فالافغان ليسوا جميعاً رجالا يقاتلون في الجبال او في الاودية. ولا هم جميعاً زرّاع افيون وقنّب. فماذا فعلت اميركا للوصول الى الاكثرية الساحقة من الناس؟ واين هو الصندوق المالي الذي اقامته اوروبا لبعث حركة الإعمار في بلد تدمّره الحروب منذ ثلاثة عقود؟

لقد تخلت اميركا عن افغانستان في المرة الاولى بعدما انتهت حربها هي هناك. وخرجت من دون ان تترك في كابل شارعاً رئيسياً معبدا. وكانت كابل بعد خروج السوفيات تشبه خرائب معدة لسيناريو في فيلم من افلام الرعب. لكنها تركت الى فقرها ومصيرها. وكان سهلاً ان يملأ ذلك الفراغ اي تجمع او اي جماعة قادرة على شيء من التنظيم. وكانت «طالبان» الاكثر تنظيماً. ولذا سقطت امامها المدن من دون مقاومة.

فماذا اذن عن افغانستان الجديدة؟ وما هو النموذج الذي يطرح على العراقيين؟ وبماذا يعدون «العراق الجديد»؟ ان اي شرح مبسط لكلام الجنرال باول يعني ان اميركا اعطت لنفسها الحق، منفردة حتى الآن، في انهاء نظام واقامة نظام آخر في دولة مستقلة، ولو مفككة. هي التي تقرر من يذهب ومن يأتي، وفي الماضي كانت تفعل ذلك عبر الانقلابات السرية اما الآن فالانقلاب يناقش في مجلس الشيوخ على السي.ان.ان، حيث يتحدث الجنرال باول عن «اقامة» حكم جديد، ثم يستدرك، عفوا، هناك خطأ في استخدام الفعل المضارع.