سكوت!... ريتر

TT

لعل واحدا من أغرب فصول الملاحقة والتفتيش لأسلحة الدمار الشامل العراقية هو المدعو سكوت ريتر، والسيد سكوت ريتر بدأ حياته العسكرية كضابط مخابرات في سلاح البحرية الأمريكية عام 1984، واستمر في عمله وترقى حتى وصل إلى رتبة نقيب، عمل كمفتش أسلحة على الاتحاد السوفييتي السابق كما عمل مع الجنرال شوارتزكوف أثناء حرب تحرير الكويت ثم أصبح أحد كبار المفتشين الدوليين في اللجنة الدولية المكلفة نزع أسلحة الدمار الشامل العراقية «أونسكوم».

ولقد استقال السيد ريتر من اللجنة المذكورة في أغسطس عام 1998 بعد أن عمل بها سبع سنوات احتجاجا على عمل اللجنة وتراخيها في التنفيذ المطلوب بحثا عن الأسلحة العراقية، ومتهما العراق بالكذب وعدم التعاون مع اللجنة، حيث كتب في استقالته التي وجهها لرئيس اللجنة آنذاك ـ ريتشارد بتلر: «لقد كذب العراق على اللجنة الخاصة وعلى العالم منذ اليوم الأول حول حقيقة حجم وطبيعة برنامجه التسليحي ونظام أسلحته... واستمر هذا الكذب لسنوات من خلال عملية منظمة للإخفاء». ولم يتوقف ريتر عند ذلك بل ألّف كتابا عام 1999 عنوانه: نهاية اللعبة: حل مشكلة العراق حلا نهائيا END GAMES: SOLVING THE IRAQ PROBLEM - ONCE AND FOR ALL.

يسرد السيد ريتر في كتابه ذاك، تفاصيل دقيقة عن عمليات المداهمة التي كانت تقوم بها اللجنة والعمليات المنظمة للجانب العراقي بمحاولات إخفاء أسلحة وبرامج تسليح العراق الكيماوية والبيولوجية بل النووية. ويخلص إلى أن على الولايات المتحدة أن تتبنى دورا رياديا في مواجهة العراق بدلا من الانتظار لمواجهة عراق خطر ويمتلك أسلحة مدمرة، وصال وجال في عواصم عدة محذّرا من مغبة التهاون مع أسلحة الدمار الشامل العراقية.

إلى هنا والمسألة لا غرابة فيها، ولكن الغريب أن السيد سكوت ريتر الذي سمّاه المسؤولون العراقيون «عرّاب الجواسيس»، قد انقلب 180 درجة، وتحول من داعية إلى تجريد العراق من أسلحته إلى مدافع عن العراق بحجة أن العراق لم يعد يمتلك أسلحة دمار شامل، ولا يشكل خطرا على أحد، ويعارض ليل نهار من بغداد متنقلا بين عواصم عالمية عدة الضربات المحتملة التي تقول أمريكا بأنها من أجل تحرير العراق.

سبحان الله! كيف تحول «عرّاب الجواسيس» إلى شخص يعرف بأن العراق لم يعد يمتلك أسلحة دمار شامل؟ ولماذا لم يكتب ذلك في تقرير للأمم المتحدة بدلا من تقديم استقالته احتجاجا على ليونة موقف بلاده والأمم المتحدة تجاه البرامج التسليحية العراقية؟ وهل استجد جديد على عمل السيد ريتر منذ أن غادر مع لجنة «الأونسكوم» بغداد قبيل عملية «ثعلب الصحراء» في ديسمبر عام 1998؟ الكل يقول بأن المسألة «فيها لحمة ضب» كما يقول المثل البدوي، كناية عن أن «وراء الأكمة ما وراءها».

قال لي صديق عراقي بالطريقة العراقية اللاذعة: «ريتر كان يعمل ضمن لجنة دولية تبحث عن برامج تسليح وأسلحة بيولوجية لا ترى بالعين المجردة، وعن ديسكات كمبيوتر، وعن صواريخ وصواعق صغيرة وموجهات الكترونية، فطبيعة عملهم حتما تجسسية، لماذا يستغرب المسؤولون العراقيون ذلك؟ هل كان المسؤولون العراقيون يتوقعون أن تبعث لهم الأمم المتحدة بفرقة موسيقية؟!».

كنت ومجموعة من الأصدقاء العرب نشاهد السيد ريتر في بغداد عبر شاشة التلفزيون قبل أيام، فصاح صديق شامي به: «ولك سكوت! يا ريتر».