مركب شارون المثقوب

TT

هل ارتكب ارييل شارون خطأه التكتيكي الأول؟ هذا السؤال لم يعد من الممكن تفاديه. كان قرار القائد الاسرائيلي لفرض الحصار على المقاطعة، رئاسة ياسر عرفات برام الله، قد صور باعتباره المواجهة النهائية بين شارون والقائد الفلسطيني المحاصر. ولكن عرفات وليس شارون هو الذي ظهر بعد نهاية الحصار رافعا علامة النصر امام كاميرات التلفزة.

ولا شك ان علامة النصر التي تباهى بها عرفات كانت فارغة هذه المرة كما كانت في مرات عديدة ماضية. ولكن ليس هناك ثمة ادنى شك في ان شارون كان هو الخاسر الاكبر.

ما هو جوهر الشارونية؟ انه استخدام درجة اكبر من العنف مما تستطيع ان تستخدمه اية مجموعة فلسطينية ضد اسرائيل. والهدف النهائي هو ان يتمكن شارون من وضع الصيغة النهائية للاستسلام الفلسطيني غير المشروط. والمواجهة الاخيرة في المقاطعة اثبتت الحقيقة التي قال بها صن تسو، المنظر الصيني الكلاسيكي عن الحرب. هذه الحقيقة اذا وضعناها ببساطة هي التالية: لا تكون الحرب قد خسرت ما لم يقبل احد الاطراف الهزيمة ويكف عن القتال.

واذا اخذنا بكل المقاييس الكلاسيكية فان الفلسطينيين قد خسروا الحرب التي شنها ضدهم شارون قبل عامين. ومع ذلك فان هذه الحرب لم ولن تنتهي، ولا ينبغي لها ان تنتهي، لأن الفلسطينيين لا تظهر عليهم مطلقا علامات الاستسلام وقبول الهزيمة وايقاف القتال. ويمكن ان يصابوا بمزيد من الخسائر، ويصابوا بمزيد من الهزائم. ولكنهم لن يمكنوا اسرائيل من تحقيق النصر الذي يحلم به شارون.

اننا، بكلمات اخرى، امام تراجيديا اغريقية كلاسيكية، أي تلك التراجيديا التي تكون كل الاطراف خاسرة فيها في النهاية. ويبدو ان ادارة بوش استوعبت هذا الدرس، على الاقل جزئيا. فشارون لم يستدع ذئابه وينهي الحصار المفروض على المقاطعة الا بالضغوط من واشنطن. ومن الواضح ان الاميركيين لا يريدون لكل سياستهم في الشرق الاوسط ان تغرق مع مركب شارون المثقوب. وربما يمتد ضوء الادراك ليشمل آخرين، على سبيل المثال بعض شركاء شارون في التحالف الحاكم في اسرائيل، الذين بدأت تنتابهم الشكوك حول جدوى سياساته الحربية.

يحاول شارون عن طريق الصراخ المستمر بأن عرفات يجب ان يذهب، ان يغرق الاصوات الاخرى التي اخذت تدعو الى ذهابه هو شخصيا. وما شارون سوى جنرال بدون استراتيجية، وجد نفسه مضطرا لإطالة نكسته التكتيكية.

هل هناك امل في ان يرى الاسرائيليون احابيله، ويشرعوا في البحث عن قيادة يمكن ان تقدم رؤية اكثر واقعية للمستقبل؟