إنها الحرب.. شكرا لمحور صدام ـ بن لادن ـ بوش!

TT

الارجح ان السؤال الآن هو: متى ستقع الحرب؟ وليس هل تقع ام لا؟ والى ذلك فان حسابات كل من تعنيه المسألة يجب ان تقوم على اعتبار ان الحرب آتية، وانها آتية قريبا. المؤشرات واضحة، عاد المفتشون الى العراق او لم يعودوا، سار عملهم على ما يرام أو لم يسر، ثبت وجود علاقة ما بين صدام حسين واسامة بن لادن، او لم يثبت، تتعدد الأسباب والنتيجة واحدة: الحرب واقعة.

انها الحرب، اولا، لأن العالم دخل مرحلة، او نفق، «مبدأ بوش» (BUSH DOCTRINE)، أحب من أحب وكره من كره. ربما لم يتنبه معظمنا الى ان خطاب الرئيس جورج بوش امام الكونغرس قبل بضعة اشهر، خطاب «حالة الاتحاد»، الذي تضمن وصفة «محور الشر»، ـ العراق، ايران، وكوريا الشمالية ـ كان بمثابة اعلان بدء التنفيذ الفعلي لـ«مبدأ بوش»، الذي هو خلاصة افكار الرباعي: ريتشارد تشيني (نائب الرئيس) ودونالد رامسفيلد (وزير الدفاع) ونائبه بول وولفويتز، ومستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس. اما خلاصة المبدأ نفسه فهي: «الضربة الوقائية». بمعنى: اضرب قبل ان يضربك خصمك، عضه قبل ان يهجم عليك وينهشك عضا. او كما نقول في منطقتنا: تغدى به قبل ان يتعشى بك!

بالطبع، هذا الرباعي يمثل تيارا في الولايات المتحدة ينضوي تحت جناحيه اصحاب مصالح نفطية، وصناعية، يهمهم ان تسود بالقوة هيمنة اميركا كقوة عظمى وحيدة في العالم. وهو تيار لا تعنيه من قريب او بعيد احتجاجات الاخرين واعتراضاتهم، ولا يعنيه ايضا منطق الصواب والخطأ في التعامل مع الغير، يعنيه فقط: انا ومن بعدي الطوفان!

وبالطبع ايضا، يحتاج مثل هذا التعاطي مع العالم الى مبرر يتيح تمريره، او لنقل فرضه فرضا، ولذا:

انها الحرب، ثانيا، لأن اسامة بن لادن وشلته وفروا لـ«مبدأ بوش» هذا مبررا لم يكن يخطر على باله، ولا حلم به الرباعي اياه، ومجمل تيار فرض هيمنة اميركا على العالم بالقوة. فقبل هجمة الحادي عشر من سبتمبر العام الماضي، كان اركان هذا التيار قد بدأوا في جس نبض بعض الاطراف هنا وهناك على جبهات مختلفة: البيئة، محكمة الجنايات الدولية، التراجع عن اتفاقات تسلح مع روسيا، احياء سياسة شبكة مظلة الدفاع الصاروخي. كانت هذه حقول تجارب في المواجهة مع الاخرين. وكانت تبدو بؤرا تثير الحرج ليس فقط مع دول اخرى لها وزنها في العالم، شعرت ان اميركا بوش تتحرش بها بدل ان تتفاهم معها، بل ان الحرج ظهر ايضا داخل الولايات المتحدة نفسها، اذ شعر الاميركيون انهم في موقف المتصادم مع العالم في امور يفترض انها تهم البشرية جمعاء. ثم جاءت الهدية الكبرى. فمع انهيار برجي نيويورك، والرعب الذي حمله ذلك الثلاثاء المشمس، انهارت داخل الاميركي احاسيس الامان، وجرفت معها اشياء كثيرة. فجأة شعر الاميركيون انهم ليسوا في مأمن لا في بيوتهم، ولا في اماكن عملهم، ولا حتى في طائراتهم داخل اجوائهم. ولولا سرعة تدخل عواصم غربية بعدما تنبه اهل الحكم فيها لخطورة ما حصل، خصوصا لندن وتليها باريس، والجهد الذي بذل في شد ازر الاميركيين باظهار اعلى درجات التعاطف العلني، وفي التحاور مع سادة البيت الابيض لضبط اعصابهم، لربما اخذت الامور منحى مختلفا، فقد كان الشعب الاميركي جاهزا لتقبل اية خطوة يقدم عليها ساسته.

ليس غريبا، اذن، ان تصبح فاجعة 11 سبتمبر الارضية الصلبة لفرض «مبدأ بوش» بالقوة. الغريب ان خطورتها، التي تتجاوز بكثير الهجوم على بيرل هاربر، لم تفهم بعد من قبل كثيرين في العالم، ساسة ومفكرين واعلاميين. ومن هؤلاء ساسة النظام العراقي الذين يهتفون له في ساحات الوغى الاعلامي، ولذا:

انها الحرب، ثالثا، ليس فقط لأن النظام في العراق اخفق في فهم تبعات 11 سبتمبر، بل لأن الرئيس صدام حسين اخفق اساسا في فهم تبعات غزو الكويت، وثمن بقائه في الحكم بعد فشله في الحفاظ على «المحافظة التاسعة عشرة». لقد اعتبر الرئيس العراقي ان بقاءه في الحكم «انتصار» يوجب الاحتفال... وكفى، بينما كان الاحرى به ان يعتبره فرصة للتكفير عن سيئة الغزو، وتعويض العراقيين بعض الحرمان الذي عانوه منذ اوائل الثمانينات، بأن يخلص النية حقا وصدقا في تخليص العراق من كابوس اوهامه بالعظمة. لو انه فعل ذلك، لكان ربما لا يزال يحكم بلدا استعاد مكانه ومكانته، وعادت اليه خبراته الشاردة في المنافي، واستفاد من ثرواته وخيراته، ولما وجد فيه بوش مبررا لتجريب تطبيق مبدأ خطير على مجمل العلاقات الدولية!