الوضوح مفتاح أزمات العراق

TT

لا انوي الوقوف في منتصف الطريق بين الموالين والمعارضين المتحاربين في الموضوع العراقي، لأنه طريق مزدحم جدا وصعب عبوره. لكن ردا آخر وردني من المحامي سليمان علي الحكيم، عراقي ايضا، يطرح فيه مبرراته لتأييد التغيير في العراق، حتى لو جاء من الخارج كما يقول. ويقول ايضا، اذا كنت مرميا في زنزانة تحت الأرض لسنين وسنين لا ينفذ اليها ضوء وجاءك الشيطان ليحررك مما انت فيه، فهل كنت ستسأله عن دينه او هويته او حتى دوافعه؟ هذه حالنا.

فكرته واضحة.. ان الحديث عن خصائص «المنقذ» مجرد ترف يقدر عليه الذين لا يعانون من شيء، يعيشون في بلدان أخرى، ولم ولن يدفعوا ثمن التغيير او عدم التغيير. ترف مشاهدة الاحداث تلفزيونيا والتعليق عليها عن بعد.

وعن الأسرى في العراق، وهو الموضوع الذي كان محور النقاش في المرة الماضية، ذكر المحامي الحكيم انه شاهد عيان على بعضها او مستمع لوقائعها من مصدر لا شك عنده في صدقه، كما يقول. يذكر ان ابن عمه، الذي كان يعمل في جهاز الأمن الخاص قبل هروبه الى دولة اوروبية، شاهد فائق عبد الجليل، وهو أسير كويتي وشخصية فنية معروفة، شاهده عند اخراجه من زنزانة تحت الأرض بواسطة سلم ادلي به اليه وشحن في سيارة الى جهة يجهلها. حدثت الواقعة قبل اربع سنوات يذكرها للتدليل على عدم صحة الرواية العراقية التي تنكر وجود اي من الاسرى لديها، ونعني بهم الذين اعتقلوا في غزو الكويت عام تسعين.

هل الأسرى قضية؟ انها بالنسبة لي بالفعل قضية اساسية، رغم استخفاف البعض من اخواننا العرب بها. فهم يستخفون بها ليس من قبيل انكار وجود أسرى، بل لانهم يعتبرونها غير مهمة ولا تستحق تخريب العلاقات العربية وضرب التطلعات الكبرى.

اعتبره موقفا بالغ السوء، سواء كان هناك أسرى ام لا، ففيه عدم اعتبار لقيمة الانسان وهو ما يمثل الآفة الكبرى في حياتنا السياسية. ان الدولة التي لا ترعى حق مواطن واحد في حرب او سلم لا تستحق الولاء لها ولا يستحق مسؤولوها الاحترام.

ربما لا يوجد هناك أسرى في العراق، كما كتب لي القارئ الاول مستشهدا بحادثة الطيار السعودي الذي اثبتت التحليلات المعملية انه بالفعل توفي في الحرب وليس أسيرا كما كان يظن، مع هذا تظل مسؤولية الكويت والدول الأخرى التي لها مواطنون مفقودون في العراق ان تبحث عنهم احياء ام امواتا.

ولا شك عندي ان مشكلة العراق مع الجميع ليست في قدراته التدميرية او مواقفه السياسية بل في عدم وضوحه بما فيه الكفاية في كل القضايا، سياسية كانت او امنية. هذا الغموض هو ما دفع دولة كالولايات المتحدة ان تردد ان هناك شيئا ما يخفيه العراق والا لماذا يوصد ابوابه ويرفض دائما التفتيش، في حين ان دولا كبرى كروسيا سمحت بتفتيش ترسانتها وكذلك الولايات المتحدة ابان مراجعة قدرات البلدين التدميرية في مطلع التسعينات.

ان الوضوح مفتاح الحلول، حيث ان بيانات الحكومة ليست ابدا كافية مهما حملت من اختام حول الأسرى او الاسلحة. فليفتح العراق ابوابه، وليسمح لأشقائه ان يبحثوا في سجونه ومقابره وينهي هذا الملف الدامي.