قليل من التملق.. يصلح الحياة!

TT

غرور الإنسان يزيد من رغبته في سماع قلق الآخرين له وفي تقبل كلمات الإطراء بابتسام وتواضع مصطنع.. وعلى العكس من ذلك نجد أن الإنسان الذي يحترم ذاته ويعرف نفسه حق قدرها لا تعنيه كلمات المديح في كثير أو قليل، بل ربما يبدي انزعاجا منها ولا يخفي ضيقه بها.

وإذا كان المديح والإطراء كالزبد يذهب جفاء وكفقاقيع الهواء ورغاوي الصابون التي لا قيمة ولا وزن لها، فإن النفاق والتملق والتخلف هي أمراض اجتماعية إذا أمسكت بتلابيب مجتمع ما فلا خير فيه ولا في أبنائه.

وإذا كان القليل من المديح والإطراء لا يتسبب في إلحاق ضرر بمن يستمع إليه ويتقبله راضيا، بل ربما في بعض الأحيان وفي بعض مراحل الحياة قد يفيد إذا ما استغل من قبل متلقيه كقوة دافعة إلى النجاح والتقدم وكقوة محفزة على تجاوز الصعوبات والتحديات، فإن الكثير من هذا المديح والإطراء الذي قد يصل أحيانا إلى حد النفاق قد يتسبب في إفساد من لديه الاستعداد النفسي للإصابة بالغرور الذي لا شفاء منه خاصة بين المشاهير من الرجال والنساء.

وكلمات المديح والثناء التي تقال في كل مناسبة ينجم عنها اختلال المعايير بحيث تصبح كلمات المديح والثناء الحقيقية التي يستحقها إنسان نظير تفوقه وتميزه لا معنى لها وليس لها قيمة حقيقية، وذلك بعد أن فقدت كلمات المديح والثناء مصداقيتها عند الناس جميعا.

ذكر الشاعر البريطاني جون ميلتون التملق بأنه صفة تخص الشيطان، والشاعر الإيطالي دانتي قال إن المتملقين مكانهم في الحلقة الثامنة من جهنم مع الطغاة والقتلة. والتملق ليس صفة تقتصر على بني البشر بل تتصف بها القردة التي يلجأ بعضها إلى المداعبة من أجل التقرب إلى البعض الآخر طلبا لإحراز تقدم في وضع معين أو في علاقة ما. ولم يسلم الفراعنة من صفة التملق، فقد أحبوا أنفسهم وتملقوها عندما ظنوا أن باستطاعتهم هزيمة الموت وتحقيق الخلود.

واعتقد الإغريق القدامى أن تملق الحاكم لشعبه يعد أكبر خطر يهدد الديمقراطية التي صدروها إلى العالم.. وربما كان الدليل على ذلك الرئيس الأميركي بيل كلينتون الذي عندما وجد نفسه في أزمة قد تطيح به تملق شعبه الأميركي وقال لهم إنهم يدركون الصواب دائما، وقد صدقوه والتفوا حوله لأنه أرضى غرورهم.

وهناك في الطرف الآخر من يرى أن قليلا من التملق لا يفسد عقل متلقيه، فإذا أراد رجل أن يستمع إلى من يؤكد له أنه أكثر ذكاء من الآخرين، وإذا أحبت امرأة أن تستمع إلى من يؤكد لها أنها أكثر جمالا مما هي عليه في الواقع، فما الضرر في ذلك إذا كان هذا القليل من التملق يشعر متلقيه بأنه في حالة نفسية أفضل؟