حرب أكتوبر: المناسبة والدروس

TT

تصادف اليوم الذكرى التاسعة والعشرون لحرب السادس من اكتوبر (تشرين الاول) 1973 التي غيرت الكثير من الموازين في المنطقة. وبسبب هذه المسافة الزمنية الطويلة، نسبيا، لعله من المناسب اعادة التأمل في حدث غير عادي كهذا واستخلاص دروس جديدة منه. ولا شك ان ابرز عبرة في ما انتهت اليه تلك الحرب تخص اسرائيل التي كان غرور انتصارها في حرب يونيو (حزيران) 1967 قد اعماها عن توقع حرب مدروسة مبنية على كثير من علوم الحرب الحديثة، وشجاعة الإقدام، والرغبة الجامحة في الانتصار. لقد فوجئت اسرائيل يومها باجتياح الجيش المصري خط بارليف، بينما كان اعتقادها العسكري قائما على استحالة نجاح مصر في تحقيق ذلك. وبعد مفاجأة العبور، تلقت المؤسسة العسكرية الاسرائيلية ضربات موجعة في عمق سيناء، اذ ضُربت فيالق ضخمة من الدبابات، وأُسر المئات من الجنود الاسرائيليين. لقد كانت الحرب بشكل عام مفاجأة كبرى لاسرائيل، واقتضت نتائجها تحقيقات طويلة حتى تتعرف على اخطائها او تكتشف عاقبة الغرور بالقوة او سوء الظن بالروح القتالية العربية، ولذا ينبغي ان تظل عبرة حرب اكتوبر عنصر تنبيه لاسرائيل من مخاطر الركون الى وهم غرور القوة، ولو كان المنطق العاقل هو السائد في اسرائيل لوضع هذا في الاعتبار عند التعامل مع قضية السلام.

من الناحية الاخرى، لم يتمكن العرب من توظيف انتصارهم العسكري توظيفا سياسيا جيدا، وبدل ان يجمعهم النجاح العسكري، فرقهم التشنج السياسي، وفشلوا في الالتقاء على ارضية سياسية مشتركة تتيح لهم استثمار نتائج انتصار 1973 في التخلص الكامل من آثار هزيمة 1967 على كل الجبهات.

ان تفاهم العرب حينذاك على استراتيجية سياسية مشتركة، كان من شأنه تعزيز موقفهم التفاوضي مع اسرائيل، وربما اجبارها على القبول بتحقيق السلام مع العرب، بعدما اثبتوا انهم غير عاجزين عسكريا، من منطلق الانصياع لقرارات الشرعية الدولية تجاه الاراضي المحتلة في حرب 1967 وتجاه القضية الفلسطينية بصفة خاصة.

يبقى ان ممارسات اسرائيل اليوم توحي بأنها عادت الى منطق غرور القوة، اذ تتعامل مع استراتيجية السلام التي تراضى عليها العرب على انها اذعان، وليست اختيارا مبنيا على الرغبة في تجنب اراقة الدماء واهدار الثروات. هذا خطأ تاريخي آخر ترتكبه اسرائيل. صحيح انها نجحت في امتلاك ترسانة اسلحة ضخمة لا تخلو من الاسلحة فائقة الدمار، ولكن اسرائيل تنسى ان مزيدا من العدوان واهدار الآدمية الذي تحدثه على الارض الفلسطينية لن يقمع ارادة الحرية، بل انه يفتح الطريق الى مزيد من العداوات والحروب. حقا، ان اهم ما في حرب اكتوبر هو التذكير بهذه العبرة البالغة الدلالة في اوساط حكام اسرائيل وساستها الذين يهدرون فرص السلام، ويظنون انهم سيظلون دائما بمنأى عن الهزيمة.