سياسة روسية جديدة في الشيشان

TT

نشرت الجريدة الحكومية «روسيسكايا غازيتا» قبل ثلاثة أسابيع، مقالة ليفغيني بريماكوف حول الحرب في جمهورية الشيشان. وبريماكوف هو واحد من السياسيين الروس من الوزن الثقيل، فقد تبوأ مناصب حكومية بارزة، إذ عُين مديرا للاستخبارات الخارجية، ووزيرا للخارجية، إضافة إلى احتلاله لمنصب رئيس الوزراء. وفي سنة 1999، توفرت له أفضل فرصة للفوز بالرئاسة الروسية. في مقالته، كتب بريماكوف أن السياسة الروسية الحالية في جمهورية الشيشان بحاجة إلى مراجعة. وقال إن الأزمة لا يمكن حلها بدون التحدث مع قادة الشيشان العسكريين. وأكد أنه بغضّ النظر عن احتمال استمرار الحرب، فإنه يجب عدم السماح للقادة العسكريين بلعب دور مهيمن في صياغة القرارات. واقترح بريماكوف كذلك، خطة من ست نقاط للتعامل مع ما يمكن اعتباره أصعب مشكلة تواجه إدارة الرئيس بوتين حاليا.

ومع حلول سبتمبر (ايلول) الماضي، يكون قد مضى على حرب الشيشان ثلاثة أعوام. وخلال هذه الفترة بدا جنرالات بوتين عاجزين عن تحقيق النصر، بغض النظر عن مدى التفاؤل الذي نقلته التقارير الحكومية والعسكرية حول مسار الحرب. مع ذلك فالحرب مستمرة، وعدد القتلى في تزايد مستمر وتجاوز 4500 جندي روسي، حسب المعلومات الرسمية، ناهيك من استمرار ارتكاب الفظاعات بحق المدنيين. بينما تسود الفوضى جمهورية الشيشان، ويتعرض الشيشان الذين اختاروا التعاون مع السلطات الفيدرالية للمطاردة المستمرة والقتل على أيدي المقاتلين.

في الشهر الماضي، بدأت عملية عسكرية كبيرة، لكن ما هو مثير للدهشة هو ظهور عدد كبير من المقاتلين الشيشان في أراض تجاور جمهورية الشيشان، وتبع ذلك وقوع معركة دموية أدت إلى مقتل ما لا يقل عن أربعة عشر جنديا روسيا، إضافة إلى فقدان طائرة هليكوبتر ومدرعة.

عدم كفاءة الجيش الروسي وعجز جهاز الاستخبارات عن اداء واجباته في الشيشان باتا امرين واضحين. ففي اغسطس الماضي اسقطت مروحية عسكرية كبيرة بسلاح مضاد للطائرات عقب إقلاعها من قاعدة جوية روسية، مما ادى الى مقتل 119عسكريا روسيا. ولم يعرف الشخص الذي نجح في اخذ السلاح المضاد للطائرات الى المطار العسكري. ظهر كذلك ان شخصا شارك في العملية تمكن من تصويرها بكاملها، مما يعني انه تسلل الى داخل القاعدة الجوية وهرب منها عقب العملية، وباع شريط التسجيل لوكالة انباء تركية.

من المؤكد ان الرئيس بوتين بات يشك تماما في امكانية حل مشكلة الشيشان باستخدام القوة، او على الاقل باستخدام القوة المتوفرة لروسيا حاليا. وللاسف، فإن الخيارات الاخرى بخلاف العمل العسكري، مثل المحادثات مع القادة الميدانيين او الانسحاب التدريجي للقوات، لن يحدث فرقا كبيرا فيما يتعلق بالاوضاع في المستقبل القريب، بيد ان هناك وعيا في اروقة الكرملين بأن الحرب وصلت الى طريق مسدود. يضاف الى ما سبق ان الحرب تكلف روسيا كثيرا في الارواح وكذلك في الإنفاق العسكري وتفشي العنف القومي والعرقي في البلاد.

وبصرف النظر عن تغيير السياسات، الذي ربما ينظر فيه بوتين، فإنه يواجه مشكلة رئيسية مع الجيش، الذي لن يعترف بالهزيمة، وسيعارض بقوة كل ما يمكن ان يشتم منه رائحة الخيانة من السلطة الاعلى. لذا فإن بوتين في حاجة الى حجة قومية ضد العسكريين، فالجيش يعاني من ضعف واضح في الاداء والكفاءة، فضلا عن العديد من الادلة على الغش والاختلاسات، الى جانب المعنويات المتدنية للجنود.

بعث بوتين قبل بضعة اسابيع بتحذير الى العسكريين عقب كارثة الهليكوبتر، واتخذ اجراءات ادارية ضد كبار الجنرالات المسؤولين عن منطقة القوقاز. كما شهد الاسبوع الماضي جدلا بن المشرعين الليبراليين ووزارة الدفاع حول الحاجة الى تحمل كبار الضباط مسؤوليتهم فيما يتعلق بالإنفاق، وانتهت المسألة لمصلحة الليبراليين. علاوة على ذلك، بات بوتين يعتمد على مجموعة من الليبراليين في فحص مسيرة الاصلاح العسكري.

يشير كل ذلك الى ان بوتين يمهد الطريق امام تقليص نفوذ العسكريين، مما يزيد من امل اتخاذ سياسة جديدة في الشيشان.

التعامل مع العسكريين ووضع حد للحرب الدموية في الشيشان ليس من المسائل السهلة. بوتين هو الشخص الوحيد الذي بوسعه إنجاز ذلك، فهو الذي بدأ هذه الحرب، لذا يجب عليه البحث عن نهاية لها.

* نائبة رئيس تحرير جريدة «ايزينديلني»

خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»