نظام عالمي.. فريد

TT

ما كادت الادارة الجمهورية اليمينية في واشنطن تستحوذ على موافقة زعماء الكونغرس على مخططها حيال العراق، حتى سارع الرئيس الاميركي جورج بوش الى توجيه انذار واضح الى الامم المتحدة: اما ان تتحرك بسرعة او تصبح «غير ذات صفة»، مذكرا بأن ارادة الولايات المتحدة «قوية».

واذا كانت ثمة شكوك في ارادة الولايات المتحدة، فقد تكفل وزير خارجيتها بتبديدها بتأكيده ان الادارة الاميركية تملك «السلطة القانونية لاستعمال القوة سواء بموافقة الامم المتحدة او بدونها».

باختصار.. بعد الغاء «رأي» الكونغرس والغاء «صوت» اوروبا، دخل اليمين الاميركي الجديد في واشنطن معركة الغاء الامم المتحدة، وهي معركة تم التمهيد لها بتصريحات رسمية تعتبرها مجرد «تجمع» بيروقراطي لا يقدم ولا يؤخر في شيء.

هل اصبحت الامم المتحدة آخر عقبة «شرعية» في وجه ممارسة الزعامة الاميركية الاحادية هيمنتها المطلقة على العالم في عهد اليمين الجديد؟

ضيق ذرع اليمين الاميركي الجديد ـ المُستغِل بمهارة لأحداث 11 سبتمبر 2001 ـ بأي رأي معارض لمخططه الدولي، ليس ظاهرة عابرة بقدر ما هو صفة ملازمة لتحويله سياسته اليمينية الداخلية الى «توتاليتارية ديمقراطية» دولية الابعاد.

في الداخل، عملية التحويل هذه بدأت بالتضييق على الحريات الفردية للأميركيين. وفي الخارج اتخذت عملية تحويل المفاهيم اليمينية الاميركية الى «توتاليتارية ديمقراطية» طابع تجاهل العالم الثالث والازدراء بالصوت الاوروبي ـ باستثناء الصوت البريطاني الذي يغني على ليلاه ـ واخيرا، وربما آخرا، تجاوز المنظمة الدولية وتهميشها الى حد اعتبارها «غير ذات صفة» في حال اتخاذها لمواقف لا تتلاءم مع سياسة اليمين الاميركي الجديد.

قد يقال ان ما بدأه الرئيس جورج بوش الأب كنظام عالمي «جديد» يكمله الرئيس جورج بوش الابن كنظام عالمي «فريد».. من نوعه. إلا ان ما نشهده في واشنطن هو تضافر عاملين خارجيين على تمكين اليمين الاميركي الجديد من الاستئثار بالقرار الداخلي والخارجي معا:

ـ زوال القطب الدولي الثاني الذي كان، لغاية مطلع التسعينات، عامل توازن في سياسة واشنطن الخارجية.

ـ تعميم ظاهرة «الارهاب الدولي» كمبرر فضفاض لبسط الهيمنة الاميركية على «الدول المارقة» في العالم.. وعبرها على العالم اجمع.

... وقد يكون هذا الاحتمال بالذات وراء تململ المانيا وفرنسا من قرع طبول الحرب في واشنطن.