مسجد ومدرسة بمليون دولار

TT

لا يمكنني ان اقرأ عن تبرع قيمته مليون دولار لبناء مسجد ومدرسة في جنين الا واسأل هل المبلغ فعلا حقيقي، ام انه مجبور بكذا مائة الف دولار؟ هل التبرع لمدرسة واحدة ومسجد واحد فقط ام ان هناك خطأ في العدد، فهو لجامعة ومساجد؟ هل التبرع لنيويورك حيث اثمان العقار باهظة ام انه لمخيم جنين حيث ان الامور متدهورة بما لا يعقل ان تقاس بارقام العالم الأخرى؟ اخيرا، هل المبلغ حقيقي ام دعائي؟

المؤكد انه لا يعقل ان يتحدث احد عن مدرسة ومسجد بمليون دولار في مخيم جنين الا ولا بد ان نقرع جرس الحذر. وهذا لا يعني اننا لا نتجاهل البادرة الحسنة للمتبرع، وهو المركز العربي للانماء، وهناك مثله محسنون آخرون منحوا تبرعات مشابهة في جنين نفسها، انما الرقم يثير التساؤل مقابل الهدف المعلن عنه. فنحن في زمن لم تعد فيه البيانات الصحافية واعلان الهبات كافية لاقناع الرأي العام، خاصة عندما يرى قارئ ان مسجدا ومدرسة بمليون دولار، الا اذا كان المسجد مبنيا بالرخام الايطالي والمدرسة مجهزة الكترونيا. نحن لا نرضى ان تحول الاعانات الا لما يخدم معظم الناس، لا بعضهم، وان تمنح الحاجات الاساسية من تعليم وتطبيب واسكان، وهذه هي الاعمدة الثلاثة لأي تبرعات تعطى للمناطق المنكوبة، مثل مخيم جنين الذي عانى مأساة دمار هائلة الحقه الاسرائيليون به.

تذكرون الجدل الذي ثار قبل عامين تقريبا بعد ان قررت القمة العربية في القاهرة منح مليار دولار للفلسطينيين، والجدل لم يكن الا حول كيف ولمن تذهب الاموال، حيث لم يوجد هناك شك في ان الحاجة ضرورية ومسألة حياة او موت لكثير من ابناء الشعب الفلسطيني وضرورية لتمكين السلطة من اداء خدماتها لمواطنيها. كان الإشكال الرئيسي ان كثيرا من الحكومات المتبرعة قلقة من كيفية انفاق اموال التبرعات بسبب مخاوف من التسيب والفساد في انابيب الاطراف المتلقية. ومع ان اطرافا رسمية فلسطينية غضبت من الشروط المفروضة لتسليم المساعدات، ولتغضب كيف شاءت، الا ان كثيرا من المساعدات ذهبت أخيرا بالفعل للمزارعين الذين افسدت زراعاتهم، والمنكوبين بلا خدمات ضرورية، والقطاع الطبي شبه المعطل.

فان كان التبرع هدفه فعلا مساعدة المحتاجين فلنثق انه يصل الى مستحقيه حتى لو كلف الامر اغضاب مسؤولين واصدقاء واحراج الابرياء بالسؤال والملاحقة، فالهدف اسمى من ان يترك للظنون وربما للصوص التبرعات. وخلال المماحكات الماضية حول هذا الموضوع سمعت من بعضهم اقوالا تتهمنا فيها بأننا نروج للدعاية الاسرائيلية القائلة بفساد السلطة وهذه تهمة ظالمة، بل نروج للمكاشفة ووضع قواعد للعمل الواضح خاصة ان هذه الاموال تعني الكثير لمحتاجيها ولا يكفي ان تكون مجرد نشاطات دعائية للمتبرعين او منح لمن لا يحتاج المساعدة. واذا كانت التبرعات تصل الى اصحابها فلماذا ينزعج هؤلاء من الاصرار على المتابعة والمطالبة بقواعد سليمة للمحاسب؟