فرصة أخيرة أمام صدام حسين و.. واشنطن؟

TT

الاطاحة بصدام حسين بأي شكل من الاشكال، باتت تتقدم في نظر واشنطن على الحرب ضد الارهاب. حتى ولو قبل هذا الاخير بالشروط الاميركية التي تضمن انتزاع اسلحة الدمار الشامل من يده وهذا ما لم يخفه الرئيس الاميركي في خطابه الاخير، الذي حرض فيه الضباط العراقيين على عصيان اوامر صدام اذا ارادوا ان ينجوا من المحاكمة. ولا شك في ان هذه «الصراحة» الاميركية المطالبة برأس صدام لأنها لا تثق فيه ولا تطمئن الى وعوده، تبقى افضل من القول بأن نظامه على صلة بالقاعدة او انه يشكل خطرا مباشرا على سلامة وامن الولايات المتحدة وهو قول لم يقنع حلفاء الولايات المتحدة في العالم ولا الشعب الاميركي نفسه، ولا بد ان تكون وراء هذا التركيز الاميركي الجديد على نزع اسلحة الدمار الشامل من يد العراق وربطه بسقوط صدام حسين او ازالته من الحكم بأي شكل من الاشكال، اسباب اخرى غير التي تعلن. بعضها بات معروفا (مسألة النفط البديل، كسب الانتخابات القادمة، التهويل بالحرب كأداة للضغط، صرف الانظار عن الفضائح المالية الاميركية)، والبعض الآخر، لا يعرفه سوى الرئيس بوش وعدد ضئيل من معاونيه ومستشاريه. وقد تكون هذه الاسباب المكتومة اهم واخطر من المعلنة او المقدرة.

ان المشكلة الحقيقية ليست في انهاء النظام العراقي الذي ليس في العالم دولة واحدة تتمنى بقاءه، ولا بين العراقيين والعرب من لا يتمنى زواله بعد ان جلب للعراق دولة وشعبا، ما جلبه من عداوات وافقار ومظالم بل المشكلة هي في ان يرفض صدام حسين قرار مجلس الامن الجديد او ان يراوغ لكسب الوقت واجهاض عملية التفتيش ونزع الاسلحة. مما سيؤدي حتما الى شن هجوم عسكري اميركي عليه وما قد يترتب عن هذا الهجوم من مضاعفات اقليمية مرشحة للتحول الى حروب صغيرة جديدة في المنطقة، والى زعزعة الاستقرار السياسي في كل دولها. اما السيناريو الجديد للعراق الديموقراطي الجديد الذي سيولد بعد الاطاحة بصدام حسين، برعاية القوات الاميركية (التي قد تنتقل من اراضي دول الخليج الى العراق)، فإنه سيناريو مفرط في التفاؤل فالحكم الديموقراطي في العراق، بحماية ورعاية قوات اجنبية يعود به وبالعالم ثمانين عاما الى الوراء. ثم ان الدول المحيطة بالعراق، حتى ولو اكدت واشنطن لها بأن العراق لن يقسم بين الشيعة والسنة والاكراد، لن ترتاح الى عودة القوات العسكرية الاجنبية الى منطقة الشرق الأوسط بهذا الشكل السافر، بعد ان رحل الاستعمار الغربي عنها منذ نصف قرن.

من هنا يسود الاعتقاد، اكثر فأكثر، في الدوائر الاوروبية بأن الرئيس بوش سوف يستمر في تهديد صدام حسين بالحرب، ويصعد تهديداته، يوما بعد يوم، ويواصل اعداد القوات العسكرية الاميركية للقيام بهجوم عسكري على العراق، ولكنه اصبح يفضل حلا آخر (ولم يعد يخفي ذلك) والتوصل الى نزع كل اسلحة الدمار الشامل من يد النظام العراقي، والاطاحة بصدام حسين بدون اللجوء الى الحرب او الى احتلال بغداد. وليس بسر ان الاجهزة العسكرية والامنية الاميركية تدرس اكثر من عشرة سيناريوهات للاطاحة بالرئيس العراقي (ذكر امير طاهري بعضها على لسان اعلاميين ودبلوماسيين في مقاله الاخير)، وان وصول القوات العسكرية الاميركية الى بغداد ليس سوى واحد منها. وقد فصل سامويل بيرغر، في مقاله الاخير، سلبيات ومخاطر حرب اميركية على العراق واضرارها باستراتيجية الحرب على الارهاب وخصوصا ما سوف تكلفه الحرب واعادة بناء عراق «ديموقراطي» بعد الحرب، من عشرات المليارات.

ان الاطاحة بصدام حسين ما زالت هدفا رئيسيا للادارة الاميركية، تشاركها في التطلع اليه معظم الدول الكبرى بل ومعظم الدول العربية والاسلامية. فهذه الاخيرة تعارض مبدأ الحرب المسبقة الوقائية، وتعارض الهجوم العسكري على بلد عربي وتعيين الحكام العرب بقوة السلاح الاجنبي، ولكنها تتمنى ان «ترتاح» من صدام حسين ومن مغامراته السياسية والعسكرية التي جلبت للعرب نكبات وخسائر فادحة ولا تزال.

ان الاطاحة بصدام حسين عن طريق انقلاب عسكري هو السيناريو المفضل لدى واشنطن والجميع، يليه في الافضلية مقتله في غارة جوية، يليه عزله او اعتزاله، فقبوله، فعلا، بنزع اسلحة الدمار الشامل وبالاصلاحات الداخلية ومنها الفيديرالية والديموقراطية. (وذلك صعب جدا في نظر الذين يعرفون صدام حسين). ان الادارة الاميركية، وان تظاهرت بالعكس، تعرف جيدا الى أين يمكن ان تقود اليه الحرب واحتلال العراق وتأثيراتها على الاستقرار السياسي في المنطقة وعلى مصالحها في العالمين العربي والاسلامي، وعلى السلام العالمي، ايضا ان شارون واليمينيين الصهاينة الحاكمين في اسرائيل هم الذين يحرضون الادارة الاميركية في هذه الحرب، لأن كل ما يترتب عنها من اضرار وخسائر وتداعيات سلبية، يخدم في نظرهم مصلحة اسرائيل، وبالرغم من كل ما قيل ويقال عن السيطرة الاسرائيلية ـ اليهودية على مراكز التخطيط والقرار في الولايات المتحدة، فلا يزال هناك بعض العقلاء والوطنيين الانسانيين والحكماء في الولايات المتحدة والغرب الذين باتت اصواتهم ترتفع ويستمع اليها الاميركيون بعد ان خف دوي تفجيرات 11 سبتمبر في آذانهم.

يضاف اليها ما تنصح به روسيا وفرنسا والصين من ترو والتزام بالقواعد الشرعية الدولية. صحيح ان لهذه الدول مصالح في العراق والدول العربية والاسلامية، وان بعضها، كروسيا مثلا، لها بالاضافة الى المصالح حقوق تريد المحافظة عليها في الشرق الأوسط ومطالب تريد ان تقبض ثمنها من الولايات المتحدة.

قد يقبل صدام حسين بالشروط الاميركية للتفتيش ويذهب الى اقصى حدود التعاون مع المفتشين الدوليين، من قبيل المناورة لتجميد او تأخير الهجوم الاميركي عليه. وقد تتظاهر الولايات المتحدة بالعدول عن الهجوم مؤقتا ولكنها لن تتوقف عن دراسة وتنفيذ كل السيناريوهات الاخرى التي تستهدف خروج صدام حسين من الحكم.

هل تحدث المعجزة ويقبل صدام حسين بانتزاع اسلحة الدمار الشامل منه؟ فيوفر على العالم حربا لم يعد بامكان الولايات المتحدة التراجع عنها؟ ربما اذا ضمن له قبوله البقاء في الحكم او النجاة من مصير اخر، والذين يعرفون صدام حسين وقواعد لعبة الحكم والانقلابات العسكرية في العراق، وعدد العراقيين الذين ينتظرون ساعة الخلاص من النظام الذي افقرهم واجاعهم وارهبهم طوال ربع قرن، يستبعدون تحول صدام حسين عن السياسة التي يتبعها وان كانوا جميعا يتمنون عدم وقوع حرب اميركية عراقية، تتعدى خسائرها حدود العراق.