ليس بالمال وحده يشترى الإعلام

TT

فزعت من مراهنة الصديق الاستاذ فيصل ابو خضرا على حل مشكلة العرب الاعلامية في الغرب بالمال، لذا سأتسرع في الرد بأن اراهن على المستحيل، اي اننا لو اشترينا كبرى المحطات الخمس التلفزيونية الاميركية ومعها عشر دور نشر عالمية لما والله غيرت من الأمر كثيرا. ومشكلتي مع فكرة الشراء انها تغفل جانبين; اولهما صعب جدا وهو التأهيل الثقافي المتخصص وهذا لا يمكن شراؤه، والثاني اننا اناس فقراء بمقاييس الاقتصاد العالمية الغربية فلا يمكننا الشراء.

اما الاول فخطؤها تصنيف الاعلام كمادة تصنيعية وهذا غير صحيح. فأنت لا تقارن تأسيس دور النشر الصحافية والتلفزيونية ببناء الطرق او تشييد المصانع التي يمكن شراء موادها الاولية ويمكن بناؤها وادارتها بأيد اجنبية. الاعلام مسألة ثقافية تعكس حالة المجتمع، حريته وتقدمه وحداثته، وتعكس رقي الصناعة الاعلامية نفسها ايضا.

فانت يمكن ان تشتري اغلى الاجهزة الانتاجية والبثية بمواصفات عالمية لكن ما هي المادة المنشورة او المذاعة، هنا التحدي. ولو شاء الاستاذ فيصل ان يجول المؤسسات الاعلامية العربية، خاصة الرسمية، سيجد عند بعضها تقنية تلمع ذهبا، وبعضها لم يخرج بعد من صناديقه، لكن كما يقول المثل الاميركي بعد تعريبه «ما دخل رديئا يخرج رديئا» وضرب هذا المثل عند اول تعامل مع تقنية الكومبيوتر. والاعلام بالفعل مثل الكومبيوتر، فهو لوحده لا يحسن الكتابة ولا يردم الجهل.

والجانب الثاني هو وهم الاعتقاد اننا اغنياء، واننا بأموالنا قادرون على شراء ما نتمناه. الدليل على تواضع ثرائنا ان دولة صغيرة مثل سنغافورة مداخيلها اعظم من مداخيل اغنى دولة عربية كالسعودية. وللتذكير فقط فان إضراب عمال الشحن على الساحل الغربي الاميركي يكلف في اليوم الواحد ملياري دولار، رغم انه خاص بجزء من قطاع محدود وفي منطقة واحدة من البلاد، فكيف نتحدث عن شراء وسائل ضخمة تكاليف ادارتها اعظم من ميزانيات الدول العربية؟! فصفقة لشركتين اعلاميتين مجهولتين بالنسبة لنا مثل «ايكوستار» مع «دايركت تي.في» بلغت قيمتها 22 مليار دولار، اي ما يعادل ميزانية حكومة دولة بأكملها مثل مصر. فأي مال يستطيع الشراء واي مال يستطيع الاستمرار في الدفع؟ والتجربة الماثلة في اذهاننا قصة شراء المستثمرين السعوديين لوكالة الـ«يو.بي.آي» الاميركية التي ارهقت المشترين ماليا واعجزتهم اخباريا وادت غرضا ضعيفا للغاية وفي النهاية تنفسوا الصعداء عندما باعوها بخسارة.

ان خيار العرب في التعامل مع الاعلام الدولي في نظري يقوم على اسس لا بديل لها، من بينها الشفافية والاستعداد للمكاشفة وتحمل النقد، وكذلك الدخول في الاعلام من ابوابه الواسعة من خلال التأهيل الذاتي للافراد وليس عبر شراء الشهادات او انتظار الدعوات. وهناك اعلاميون عرب تفوقوا في الاعلام الغربي بذاتهم ولم يكونوا جزءا من خطة حكومية او خاصة. ان هذه الاسواق بقدر ما انها تعاني من وجود فئات تريد الهيمنة عليها وتوجهها بقدر ما هي مستعدة لقبول من يريد تحديها بنفس القواعد المهنية.