الإبداع البابطيني

TT

كنت في ذلك البلد الحبيب على نفسي، البحرين، حيث تجري تجربة مفيدة في الديمقراطية. ولكنني لم اذهب لمشاهدتها، وانما كانت المناسبة توزيع جوائز مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين للابداع الشعري. دعوني اسميها الابداع البابطيني، فهذه هي الدورة الثامنة، وجاءت كل دورة بكرم اسخى وتنظيم ادق.

يا ليت مؤسساتنا الاخرى تتعلم من البابطين روعة التنظيم ودقة الاداء. حتى اقراص نعناع بولو كانت متوفرة امام كل مشارك او مستمع يبح صوته من المشاركة او توجعه بطنه من الاستماع للغثيث من الشعر.

قبل آونة قريبة انتقدني أحد الزملاء على اسرافي في المدح والثناء على اصحاب مثل هذا المشروع. قال يا خالد انت صرت واحدا من المداحين. قلت الحمد لله هذه نقلة خير. فالمعروف عني اني واحد من الشتامين. اشكر الله الذي نقلني الى ما هو انفع واسلم. ولم لا؟

لقد اعتدنا ان ننتقد اغنياءنا على اسرافهم في الملذات والترف، على تبديد اموالهم على موائد القمار وصدور الغانيات. عبثا تحاول ان تستدر عطفهم للانفاق على مشاريع الثقافة والفكر والفن او مساعدة اديب او فنان او عالم ناشئ في مشواره الصعب او معاناته الشخصية. ننتقدهم ونشتمهم وندعو عليهم بقصر العمر وتلف الصحة وهلاك ما كسبوا. لم لا نفعل العكس عندما نجد شخصا يوظف ما مَنَّ الله به عليه من خير في خدمة الفكر والثقافة والتعليم؟ يترك أعماله ومشاغله وحتى مسؤولياته العائلية واحيانا حتى صحته وراحة باله ليكرس وقته ووقت اسرته وموظفيه نحو ذلك الغرض. اذا كان امثال هذا الشخص قد شعروا بواجبهم نحو الثقافة، فما احرى المشتغلين بميدان الثقافة ان يشعروا بواجبهم نحو هؤلاء القلة من المحسنين في الاعتراف بفضلهم والثناء على تضحياتهم.

نحن قوم ابتلينا بالشك، ولا سيما حيث يتعلق الامر بالخير. نحن غير معتادين على رؤية رجال اخيار بيننا او ملاحظة الخير يجري عندنا. اعتدنا على الشر والفساد والسرقات والاستغلال. وعندما يقوم رجل صالح بعمل صالح نهرع للبحث عن شتى التفاسير السلبية اللئيمة لتفسير عمله.

الجميل في مؤسسة البابطين ان نشاطها لا يتوقف عند عالم الشعر، والا لأصبح مجهودها عبثا. الشعر العربي لا يحتاج الى تشجيع وانما الى مكافحة بالـ«دي. دي تي» وكذا بالنسبة للشعراء. ففي رأيي المطلوب رمي بضعة آلاف منهم بالرصاص لتقليص عددهم والسيطرة على نسلهم وكثافتهم.

ولكن مؤسسة البابطين تنفق مبالغ طائلة على فتح المدارس والمعاهد والمكتبات والمستشفيات امتدادا من قرغستان الى الهند والمغرب، وطبعا فلسطين. من اظرفها صالة افراح مجانية افتتحتها في الرياض لحفلات زواج ضعفاء الحال. اعتقد ان المقصود بهم من يستطيعون الزواج بامرأة دون ان يستطيعوا ان يذيقوها الفرح في حياتها. وهو شيء مشكور من الاخ عبد العزيز ان يستطيع مدها بالفرح، وان لم اعرف بعد الى متى. كل ما اتمناه هو ان هؤلاء الذين سيتزوجون تحت المظلة البابطينية الا ينجبوا لنا مزيدا من الشعراء.

ما اريد ان اقوله لراعي هذه المؤسسة هو ما يقوله المثل العربي «كثر الله من امثالك»، ومن امثالي ايضا، من لا يترددون في دخول فصيلة «المداحين» ازاء من يستحق الثناء والمدح.